وأيضًا فإن الصحابة بأجمعها نقلت وضوء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قولاً وفعلاً أنه مسح رأسه كله، وشذت رواية أنه مسح بناصيته، وحكت منه فعلة وقعت فى بعض الأوقات، فكان حملها على العذر أولى، لأنه لو أراد أن يُعَلِّم الناس الواجب لبين ذلك، كما قال لما توضأ مرة مرة: تمت هذا صفة الوضوء الذى لا يقبل الله الصلاة إلا به -. قال عبد الواحد: ولا حجة للحسن بن حى فى قوله فى الحديث: تمت فأقبل بهما وأدبر - على جواز أن يبدأ بمؤخر رأسه بالمسح، لأن قوله: تمت فأدبر بهما وأقبل - يحتمل التقديم والتأخير، إذ لا توجب الواو رتبة، وقد خرج البخارى هذا الحديث فى باب الوضوء من التور، وقال فيه: تمت فأدبر بهما وأقبل -. وهذا نص أنه بدأ بمقدم رأسه، وقد بين ذلك ما رواه مالك فى حديث هذا الباب، قال: تمت فأقبل بهما وأدبر بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذى بدأ منه -. وفى حديث هذا الباب جواز غسل بعض أعضاء الوضوء مرتين، وبعضهما ثلاثًا فى وضوء واحد، دليل على جواز غسل بعض أعضاء الوضوء مرة، وبعضها أكثر من ذلك. وقوله: تمت ثم - فى جميع الحديث لم يرد بها المهلة، وإنما أراد بها الإخبار عن صفة الغسل، وتمت ثم - هاهنا بمعنى تمت الواو -.