أجدى على الإسلام وأهله نفعًا، وأن الله أوحى إليه الأمر بترك قتال القوم؛ لأن ذلك أسد فى الرأي. وفيه الدلالة الواضحة على أن لأهل العلم الاجتهاد فى النوازل فى دينهم فيما لا نص فيه من كتاب الله ولا سنة. وذلك أن الذين أنكروا الصلح يوم أبى جندل أنكروه اجتهادًا منهم، ورسوله الله بحضرتهم يعلم ذلك من أمرهم، فلم ينههم عن القول بما أدى إليه اجتهادهم، وإن كان قد عرفهم خطأ رأيهم فى ذلك، وصواب رأيه، ولو كان الاجتهاد خطأ لكان حريا عليه (صلى الله عليه وسلم) أن يتقدم إليهم بالنهى عن القول بما أداهم إليه اجتهادهم أشد النهي. وفيه أيضًا: أن المجتهد عند نفسه مما يدرك بالاستنباط لا تبعة عليه فيما بينه وبين الله خطأ، إن كان منه فى اجتهاده، إذا كان اجتهاده على أصل، وكان من أهله؛ لأن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يؤثم عمر ومن أنكر الصلح، والمعانى التى جرت بينهم فى كتاب الصلح مما كان خلافًا لرأى رسول الله، ولو كانوا فى ذلك مذنبين لأمرهم النبى بالتوبة، ولكنهم كانوا على اجتهادهم مأجورين، وإن كان الصواب فيما رأى رسول الله، وذلك نظير قوله (صلى الله عليه وسلم) : (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر) وستأتى زيادة فى هذا المعنى فى كتاب: الاعتصام إن شاء الله. وقال أبو الحسن بن القابسى: وقول عمر: أليس قتلادهم فى النار؟ فعلام نعطى الدنية فى ديننا؟ هذه المراجعة هى التى قال فيها عمر فى حديث مالك: نزرت رسول الله كل ذلك لا يجيبك.