قال المهلب: أما مسح النبى الغبار عن رأس عمار، فرضى من النبى بفعله وشكرًا له على عزمه فى ذات الله. وقوله: (ويح عمار) فهى كلمة لا يراد بها فى هذا الموضع وقوع المكروه بعمار، ولكن المراد بها المدح لعمار على صبره وشدته فى ذات الله، كما تقول العرب للشاعر إذا أحسن: قاتله الله ما أشعره، غير مريدين إيقاع المكروه به. وقوله: (يدعوهم إلى الله) فيريد والله أعلم أهل مكة الذين أخرجوه من دياره وعذبوه فى ذات الله لدعائه لهم إلى الله. ولا يمكن أن يتأول هذا الحديث فى المسلمين البتة؛ لأنهم قد دخلوا دعوة الله، وإنما يدعى إلى الله من كان خارجًا من الإسلام. وقوله: (ويدعونه إلى النار) دليل أيضًا على ذلك؛ لأن المشركين أهل مكة إنما فتنوه وطالبوه أن يرجع إلى دينهم، فهو النار. فإن قيل: إن فتنة عمار قد كانت بمكة فى أول الإسلام، وإنما قال: يدعوهم بلفظ المستقبل، وهذا لفظ الماضي. قيل: العرب قد تخبر بالفعل المستقبل عن الماضى إذا عرف المعنى، كما تخبر بالماضى عن المستقبل، فقوله: (يدعوهم إلى الله) بمعنى دعاهم إلى الله؛ لأن محنة عمار كانت بمكة مشهورة، فأشار (صلى الله عليه وسلم) إلى ذكرها لما طابقت شدته فى نقله لبنتين شدته فى صبره بمكة على عذاب الله، فضيلة لعمار، وتنبيهًا على ثباته، وقوته فى أمر الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015