ثم قبض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاستخلف أبو بكر فأفرد الحج خلافته سنتين، ثم ولى عمر بن الخطاب فلم يشك أحد أن عمر أفرد الحج عشر سنين، وولى عثمان فأفرد الحج اثنتى عشرة سنة. قال ابن الماجشون: وحدثنى ابن أبى حازم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن عليا أفرد الحج، وأفرد ابن عمر ثلاثين سنة متوالية، ما تمتع ولا قرن إلا عامًا واحدًا، وأفردت عائشة كل عام حتى توفيت، قال ابن الماجشون: فعلمنا أن الإفراد هو الذى فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كاليقين؛ لأنا نعلم بفعل أصحابه بعده، وهم بطانته، أنهم لا يتركون ما فعل، وهكذا قال لى المدنيون والمصريون من أصحاب مالك. وأما نهى عثمان عن المتعة والقران وإهلال على بهما، فإن عثمان اختار ما أخذ به النبى عليه السلام فى خاصة نفسه وما أخذ به أبو بكر وعمر، ورأى أن الإفراد أفضل عنده من القران والتمتع. والقران عند جماعة من العلماء من معنى التمتع لاتفاقهما فى المعنى، وذلك أن القارن يتمتع بسقوط سفره الثانى من بلده كما يصنع المتمتع الذى يحل من عمرته، وكذلك يتفقان فى الهدى والصوم لمن لم يجد هديًا عند أكثر العلماء. قال المهلب: وأما قول من اختار القران؛ لأنه الذى فعل النبى عليه السلام فإنه يفسد من وجهين: أحدهما: توهين قول أنس بما رواه مروان الأصفر عن أنس نفسه أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال لِعَلىٍّ: (لولا أن معى الهدى لأحللت) فبان بهذا أن النبى عليه السلام لم يكن قارنًا؛