قال المهلب: فى هذا الحديث أن الاستطاعة لا تكون الزاد والراحلة؛ ألا ترى أن ما اعتذرت به هذه المرأة عن أبيها ليس بزاد ولا راحلة، وإنما كان ضعف جسمه، فثبت أن الاستطاعة شائعة كيفما وقعت وتمكنت. قال ابن القصار: والاستطاعة فى لسان العرب القدرة، فإن جعلناها فى كل قادر جاز، سواء قدر ببدنه، أو ببدنه وماله، أو بماله، إلا أن تقوم دلالة. وإن قلنا: إن حقيقة الاستطاعة أن تكون صفة قائمة فى المستطيع كالقدرة والكلام والقيام والقعود، فينبغى أن تكون الاستطاعة صفة فيه تختصه وهذا لا يكون إلا لمن هو مستطيع ببدنه دون ماله. فإن احتجوا بما روى عن الرسول أنه قال: (السبيل: الزاد والراحلة) فإن ابن معين وغيره قالوا: روايه إبراهيم الخوزى، وهو ضعيف. وقال ابن المنذر: لا يثبت الحديث الذى فيه ذكر الزاد والراحلة، وليس بمتصل، والآية عامة ليست مجملة ولا تفتقر إلى بيان، فكأنه تعالى كلف كل مستطيع على أى وجه قدر بمال أو ببدن، والدليل على ذلك قوله عليه السلام: (لا تحل الصدقة لغنى، ولا لذى مرة سوى) فجعل صحة الجسم مساوية للغنى، فسقط قول من اعتبر الراحلة. وقال إسماعيل بن إسحاق: لو أن رجلا كان فى موضع يمكنه المشى إلى الحج، وهو لا يملك راحلة لوجب عليه الحج؛ لأنه مستطيع إليه سبيلا. وما روى عن السلف فى ذلك أن السبيل: الزاد والراحلة: فإنما أرادوا التغليظ على من ملك هذا المقدار ولم يحج؛ لأنهم ذكروا أقل الأملاك التى يبلغ بها الإنسان إلى الحج، فإن قيل: فإنها عبادة تتعلق