فحرموا به بركة ليلة القدر، والتلاحى: التجادل والتخاصم، يقال: تلاحى فلان وفلان تلاحيًا، ولاحى فلان فلانًا ملاحاة ولحاءً بالمد، وهذا يدل أن الملاحاة والخلاف يصرف فضائل كثير من الدين، ويحرم أجرًا عظيمًا؛ لأن الله تعالى لم يرد التفرق من عباده، وإنما أراد الاعتصام بحبله، وجعل الرحمة مقرونة بالاعتصام بالجماعة لقوله تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ) [هود: 118، 119] ، وروى عن الرسول وجه آخر فى رفع معرفتها، روى ابن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، أن رسول الله قال: (أريت ليلة القدر، ثم أيقظنى بعض أهلى فنسيتها، فالتمسوها فى العشر الغوابر) . قال الطحاوى: وهذا خلاف حديث عبادة، إلا أنه قد يجوز أن يكون ذلك كان فى عامين، فرأى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى أحدهما ما ذكره عنه أبو هريرة قبل كون الليلة التى هى ليلة القدر، وذلك لا ينفى أن يكون فيما بعد ذلك العام فيما قبل ذلك من الشهر، ويكون ما ذكره عبادة على أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقف على ليلة القدر بعينها، ثم خرج ليخبرهم بها فرفعت، ثم أمر بالتماسها فيما بعد ذلك العام فى التاسعة والسابعة والخامسة، وذلك كله على التحرى لا على اليقين، فدل ذلك على انتقالها. وقوله: (عسى أن يكون خيرًا لكم) يريد أن البحث عنها والطلب لها بكثير من العمل، هو خير من هذه الجهة، والغوابر: البواقى فى آخر الشهر، ومنه قوله تعالى: (إِلاَّ عَجُوزًا فِى الْغَابِرِينَ) [الشعراء: 171] يعنى الباقين الذين أتت عليهم الأزمنة، وقد تجعله العرب بمعنى الماضى أحيانًا، وهو من الأضداد، عن الطبرى.