ولعله كان ذلك توخيًا منه للنشاط على قيام الليل، فإنه كان إذا دخل العشر شد مئزره، ورفع فراشه، لأن الطعام مثقل للبدن، مفتر عن الصلاة، مجتلب للنوم، فكان يؤخر الإصابة من الطعام إلى السحر، إذ كان الله قد أعطاه من القوة على تأخير ذلك إلى ذلك الوقت والصبر عنه ما لم يعط غيره من أمته، وقد بين لهم ذلك بقوله: (إنى لست كهيئتكم إنى أظل يطعمنى ربى ويسقينى) . فأما الصوم ليلاً فلا معنى له، لأنه غير وقت للصوم، لقوله: (إذا غربت الشمس فقد أفطر الصائم) ، أى حل وقت فطره على ما تقدم، وسيأتى فى باب (الوصال) من فعله من السلف، ومن كرهه، وتمام الكلام فيه، إن شاء الله. قال المؤلف: وقوله عليه السلام: (فاجدح لنا، قال: يا رسول الله لو أمسيت، ثلاثًا) ، فيه من الفقه أن الناس سراع إلى إنكار ما يجهلون، كما فعل خادم النبى، عليه السلام، حين توقف عن إنقاذ أمره لما جهله من الدليل الذى علمه النبى، عليه السلام، وفيه أن الجاهل بالشىء ينبغى أن يسمح له فيه المرة والثانية، وتكون الثالثة فاصلة بينه وبين معلمه، كما فعل النبى، عليه السلام، حين دعا عليه بالويل لكثرة التغيير، وكذلك فعل الخضر بموسى فى الثالثة قال له: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ) [الكهف: 78] ، وذلك كان شرط موسى لنفسه بقوله: (إِن سَأَلْتُكَ عَن شَىْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِى) [الكهف: 76] .