كان ذلك يسيرًا عليهم، وأفطر وأمر أصحابه لما دنا من عدوه، فصار الصوم عسيرًا، إذ كان لا يؤمن عليهم الضعف والوهن فى حربهم لو كانوا صيامًا عند لقاء عدوهم، فكان الإفطار حينئذ أولى بهم من الصوم، وأفضل عند الله لما يرجون من القوة على العدو وإعلاء كلمة الدين بالإفطار، قاله الطبرى، وروى شعبة عن عمرو بن دينار، عن عبيد بن عمير: (أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمر أصحابه يوم فتح مكة، فقال: أفطروا فإنه يوم قتال) . وروى حماد، عن الجريرى، عن أبى نضرة، عن جابر: (أن النبى، عليه السلام، كان فى سفر فأتى على غدير فقال للقوم: (اشربوا) ، فقالوا: يا رسول الله، أنشرب ولا تشرب؟ فقال: (إنى أيسركم، إنى أركب وأنتم مشاة، فشرب وشربوا) . واختلف الفقهاء فى من اختار الصوم فى السرف وأصبح صائمًا ثم أفطر نهارًا من غير عذر، فقال مالك: عليه القضاء والكفارة، لأنه كان مخيرًا فى الصوم والفطر، فلما اختار الصوم لزمه ولم يكن له الفطر، وقد روى عنه أنه لا كفارة عليه، وهو قول أصحابه إلا عبد الملك فإنه قال: إن أفطر بجماع كَفَّر، لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له، وقال سائر الفقهاء بالحجاز والعراق: أنه لا كفارة عليه، والحجة فى سقوط الكفارة واضحة بحديث ابن عباس وجابر، ومن جهة النظر أيضًا، لأنه متأول غير هاتك لحرمة صومه عند نفسه، وهو مسافر قد دخل فى عموم إباحة الفطر، وقال ابن القابسى: هذا الحديث لم يسمعه ابن عباس من النبى، ولكنه يعد من جملة المسند، لأنه لم يروه إلا عن صاحب، وقد انفرد الصحابة بتسليم هذا