وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون، فعلق الذم بترك الجميع؛ لأنهم لو سجدوا ألف مرة فى النهار مع كونهم كفارًا كان الذم لاحقًا بهم، فعلمنا أن الذم لم يختص السجود، ويزيد هذا بيانًا قوله تعالى: (بل الذين كفروا يكذبون) [الانشقاق: 22] ، فلم يقع الوعيد إلا على التكذيب، وقوله: (واسجد واقترب) [العلق: 19] ، هو أمر له بالصلاة وتعليم له، وقد تقدم أن سجود القرآن إنما هو ما جاء بلفظ الخبر، وما جاء بلفظ الأمر إنما هو إعلام له بالصلاة وأمر له بالسجود فيها. وما ذكره البخارى فى هذا الباب عن الصحابة من تركهم السجود ولا مخالف لهم فهو حجة لمن لا يوجبه؛ لأن الفرض لا يجوز تركه، ولا يجوز أن يكون عند بعضهم أنه واجب ويسكت عن الإنكار على غيره فى قوله: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه) ، ألا ترى قول عمر: (إن الله لم يفرض السجود إلا أن نشاء) . قال المهلب: وفى فعل عمر دليل على أن على العلماء أن يبيِّنوا كيف لزوم السنن إن كانت على العزم أو الندب والإباحة، وكان عمر من أشد الناس تعليمًا للمسلمين كما تأول له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى الرؤيا أنه استحالت الذَّنُوب بيده غربًا فتأول له العلم، ألا ترى إلى قول عمر حين رأى أنه قد بلغ من تعليم الناس إلى غاية رضيها قال: قد سُنَّتْ لكم السنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، فأعلمنا بهذا القول أنه يجب أن يفصل بين السنن والفرائض.