يقول البخاري: [باب يفكر الرجل بالشيء في الصلاة].
هذا الباب مهم جداً، يسأل البعض: أنا أفكر في الصلاة في أمر كذا وكذا فهل تبطل الصلاة؟ هل يجوز لي أن أفكر في الصلاة؟ فكري يشرد أحياناً في أمور تخص الآخرة أو الدين أو الشرع فهل يجوز أن أفكر في ذلك؟ يقول: [قال عمر رضي الله عنه: إني لأجهز جيشي وأنا في الصلاة].
يعني: عمر بن الخطاب وهو يصلي كان يقول: الله أكبر.
فلان على الميمنة، فلان على الميسرة، فلان يأخذ الراية، ويقسم الجيش وهو في الصلاة، لكن هذا في عجالة وليس طوال الصلاة.
هذا فكر طارئ على عقله وهو في الصلاة، فهذا أمر شرعي يجوز بلا أدنى شك.
قال: [حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا روح حدثنا عمر أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلّم قام سريعاً)].
هذا الحديث أورده الإمام النووي في كتاب رياض الصالحين في باب المسارعة إلى فعل الخيرات.
لا تؤجل دينك! عليك مظلمة استحل منها الآن ولا تؤجل! انظروا إلى فعل نبيكم عليه الصلاة والسلام كما في حديث عقبة بن الحارث: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العصر فلما سلّم قام سريعاً ودخل على بعض نسائه)، والمعنى: أنه لما صلى العصر مع أصحابه كان يستدير بوجهه -ومن فقه الإمام أن يستدير بوجهه للمصلين- لكنه هذا المرة لما استدار قام من مصلاه على التو والفور، ثم تخطى الرقاب -رقاب المصلين- ودخل إلى حجر بعض نسائه، وهذا الأمر لم يعتاده.
(فدخل ثم خرج فرأى في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته)، القوم يتعجبون من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث: أدب أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام فهم لم يسألوه عن سبب قيامه.
وفي الحديث معرفته صلى الله عليه وسلم بأحوال أصحابه، فقد رأى في وجوههم التعجب، فقال لهم: (ذكرت وأنا في الصلاة تبراً عندنا)، والتبر هو الذهب غير المصوغ، وكانت قطعة في مال الصدقة، قال: (ذكرت وأنا في الصلاة تبراً عندنا، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا فأمرت بقسمته) صلى الله عليه وسلم.
يعني: تبر من مال الصدقة في بيته، فلم ينتظر حتى يردد أذكار الصلاة، وإنما خرج مسرعاً ليتخلص منه، يخشى أن يقبض قبل ذلك فيسأله عنه الله عز وجل.
وفي الحديث: أنه لا يجوز أن يحبس المال عن أصحابه: {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء:78]، يحجبونه عن الأمة حدث ولا حرج، النبي صلى الله عليه وسلم يذكر تبراً في الصلاة فيخرج بعدها لينفقه ثم يعود، ما قال أنتظر، رغم أن وقت الانتظار انشغال بطاعة، لكنه أراد أن يعلمنا أن المسارعة في فعل الخيرات هو أصل سلوك المؤمن: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى} [طه:84]، {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133].
قال البخاري: [حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر عن الأعرج قال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أذن بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط)].
يعني: حينما يسمع الشيطان الآذان يولي وله ضراط.
[(حتى لا يسمع التأذين، فإذا سكت المؤذن أقبل، فإذا ثوب أدبر)].
(ثوب) يعني: أقام الصلاة، فإذا أقام الصلاة أدبر.
[(فإذا سكت أقبل، فلا يزال بالمرء يقول له: اذكر ما لم يكن يذكر حتى لا يدري كم صلى)].
أي: أن الشيطان يأتيه في صلاته يذكره بشيء لم يكن يذكره، حتى أن البعض قال: إذا ضاع مني مال أدخل الصلاة لأعرف أين هو؛ لأن الشيطان في الصلاة يستحضر له ما لا يستحضره خارج الصلاة، يأتيه ويذكره، (حتى لا يدري كم صلى)، هذا المنهي عنه: أن ينشغل بفكره عن الصلاة حتى لا يدري كم صلى.
[قال أبو سلمة: إذا فعل أحدكم ذلك فليسجد سجدتين وهو قاعد]، يعني: سجدتي السهو.
[حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عثمان بن عمر أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري قال أبو هريرة رضي الله عنه: يقول الناس: أكثر أبو هريرة.
فلقيت رجلاً فقلت: بما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة في العتمة؟] أي: أن أبا هريرة كان بعض الناس يتهمونه بالإكثار، ونحن نسميه من المكثرين في الرواية، وأكثر منه بلاغاً لحديث رسول الله عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنه كان يكتب وكان أبو هريرة لا يكتب، ويقول: (لا أعلم أحداً أكثر مني حفظاً لحديث رسول الله إلا عبد الله بن عمرو فكان يك