قال البخاري رحمه الله: [باب: الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها].
فإذا ماتت المرأة يقوم الإمام في وسطها، وإذا مات الرجل يقوم عند رأسه، وهذا مذهب علماء السلف، ورغم أن ابن حجر ضعّف الحديث وجعله خاصاً، إلا أن السلف قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في أكثر من حديث أنه كان يقوم في الصلاة على المرأة عند وسطها، وعلى الرجل عند رأسه، وهذا رواه أحمد في مسنده، وابن ماجة، وقد صححه العلماء، ويقوم الإمام عند وسط المرأة؛ لأنه أستر لها.
وقوله: (الصلاة على النفساء)، النفساء وصف زائد، وهذا يسمى عند علماء أصول الفقه تنقيح المناط، أي: أن الحكم لا يتأثر بهذا الوصف، فقد جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يضرب صدره وينتف شعره، ويقول: (يا رسول الله! هلكت.
قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على زوجتي في نهار رمضان، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة.
قال: لا أملك إلا هذه الرقبة.
قال: فصم شهرين متتابعين.
قال: وهل فعل بي ذلك إلا الصوم؟ لا أستطيع.
قال: فأطعم ستين مسكيناً، قال: ليس في بيوت المدينة من هو أفقر مني.
قال: فاجلس حتى تأتي الصدقة) فعلق الحكم على الجماع، لا على ضربه صدره ونتفه شعره، ولا يشترط في كل من جامع امرأته أن يضرب صدره وينتف شعره، فهذا وصف ليس له علاقة بالحكم.
وكذلك هل العلة في تحريم الخمر هو اللون الأحمر أم السكر؟ فإذا أتى شخص يحرم الشاي بسبب أن لونه أحمر نقول له: لا، فهذه الصفة من الصفات التي لا تؤثر في الحكم.
وهكذا كون المرأة نفساء أو غير نفساء أو شابة أو صغيرة أو كبيرة لا يغير في الحكم، فالمهم أنها امرأة، ولا يؤثر أنها نفساء أو غير ذلك، لكن البخاري لفقهه أراد أن ينبه بهذا على أمر، وهو أنه بوّب قبل ذلك في الباب الستين باب الصلاة على الشهيد، وبيّن أن شهيد المعركة لا يصلى عليه، وبين في حديث آخر أن المرأة التي تموت في النفاس شهيدة، فأراد أن يقول: الشهيد الذي لا يصلى عليه هو شهيد المعركة، وأما المرأة التي تموت في حملها والذي يموت تحت الهدم أو الغرق فإنه وإن ثبتت له الشهادة بالنص إلا أنه يصلى عليه، وهذا هو فهم البخاري، فـ البخاري وضع هذا الباب ليبين أن المرأة النفساء رغم أنها تأخذ حكم الشهيد إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليها.
قال البخاري رحمه الله: [في حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (صليت وراء النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت في نفاسها فقام عليها وسطها)].
وفي هذا دليل على أن الوالي أحق من الولي في الصلاة؛ لأن الذي صلى عليها هو النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يصل عليها أخوها ولا أبوها ولا عمها، وإنما صلى عليها الوالي، فالوالي أحق من الولي كما قلنا.