قال البخاري رحمه الله: [باب: سنة الصلاة على الجنائز.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى على الجنازة)، وقال: (صلوا على صاحبكم)، وقال: (صلوا على النجاشي) سماها صلاة وليس فيها ركوع ولا سجود، ولا يتكلم فيها، وفيها تكبير وتسليم.
وكان ابن عمر لا يصلي إلا طاهراً، ولا يصلي عند طلوع الشمس ولا غروبها، ويرفع يديه.
وقال الحسن: أدركت الناس وأحقهم على جنائزهم من رضوهم لفرائضهم، وإذا أحدث يوم العيد أو عند الجنازة يطلب الماء ولا يتيمم، وإذا انتهى إلى الجنازة وهم يصلون يدخل معهم بتكبيرة.
وقال ابن المسيب: يكبر بالليل والنهار والسفر والحضر أربعاً.
وقال أنس: تكبيرة الواحدة استفتاح الصلاة.
وقال عز وجل: {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة:84] وفيه صفوف وإمام].
أراد البخاري بهذه الأقوال أن يبين أن صلاة الجنازة ينطبق عليها ما ينطبق على صلاة الجماعة.
وبعض الناس يقول: المقصود بالصلاة الدعاء، يعني: ندفن الميت مباشرة، ورأيت بعض الناس لا يصلي الفروض في جماعة، فقلت له: لماذا لا تصلي؟ قال: أنت لا تفهم أن الصلاة هي الدعاء، وأنا أدعو الله ويكفي، فلا فجر ولا ظهر ولا عصر ولا مغرب ولا عشاء، فرد معنى الصلاة إلى المعنى اللغوي لا إلى المعنى الشرعي، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الميت يصلى عليه صلاة بغير ركوع ولا سجود، ويشترط فيها استقبال القبلة والطهارة من الحدثين وستر العورة والتكبير ورفع اليدين والتسيلم.
ثم ذكر حديث الشعبي قال: (أخبرني من مر مع نبيكم صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمنا فصففنا خلفه، فقلنا: يا أبا عمرو! من حدثك؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما).
وهنا مسألة: من الأحق بصلاة الجنازة؟ هل هو الولي أم الوالي؟ والوالي هو الإمام الراتب، يعني: من عينه الوالي، أم الولي وهو قريبه من العصبة، والبخاري هنا ينتصر إلى أن الوالي يستحق الصلاة، أي يقدم على الولي، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة، والأوزاعي وإسحاق، فإنهم يرون أن الوالي يقدم على الولي، ولذلك هنا أورد البخاري قول الحسن: أدركت الناس وأحقهم على جنائزهم من رضوهم لفرائضهم.
يعني: أن الذي يصلي الفرائض هو الذي يصلي الجنازة.
ولماذا يقدم الإمام الراتب على الولي؟ يقدم لأن الناس يؤمهم أقرأهم لكتاب الله، وبعض الناس يصر على أن يقدم ابن الميت فيقول: أين ابن الميت؟ تعال فصل على أبيك، وابنه قد يكون لا يعرف صلاة جنازة فتلتبس عليه الأمور وتكون حالته سيئة.
والبخاري جاء بهذا القول، ثم دلل بفعل الصحابة أنهم كانوا في المدينة يصلون خلف الإمام مع وجود العصبات، فالوالي يقدم على الولي.
لكن هب أن الوالي الذي هو الإمام الراتب عين رغم إرادتنا ولا يعلم من الشرع شيئاً، ويلعب طاولة وضمنة بعد الصلاة في الطريق العام ويدخن وقال لابن الميت الملتزم: صل على أبيك، ففي هذه الحالة يصلي ابن الميت؛ لأننا في هذه الحالة ندعو للميت بالمغفرة، فنقدم الأقرب إلى الإجابة.
فتقديم الوالي على الولي هذا هو الراجح من أقوال العلماء، وهذا هو الذي ساقه البخاري وذكره في كتابه.