قال البخاري رحمه الله: [باب من قام لجنازة يهودي: حدثنا معاذ بن فضالة إلى أن قال: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (مر بنا جنازة فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم فقمنا معه فقلنا: يا رسول الله! إنها جنازة يهودي؟ قال: إذا رأيتم الجنازة فقوموا)].
ثم أتى بحديث آخر: حديث [عمرو بن مرة قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية فمروا عليهما بجنازة فقاموا، فقيل لهما: إنهما من أهل الأرض، أي: من أهل الذمة.
فقالا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام فقيل له: إنها جنازة يهودي.
فقال: أليست نفساً؟)].
ثم قال: [وقال زكرياء عن الشعبي: كان ابن مسعود وقيس يقومان للجنازة.
] كل هذا أورده الإمام البخاري ليستدل على مشروعية القيام للجنازة.
وبعض العلماء قالوا: إن القيام للجنازة منسوخ، يعني: أن حكمه نسخ، يعني: أزيل، ومعرفة النسخ مهم جداً.
والبعض يظن أن النسخ يعني البداء، يعني: أن الله سبحانه وتعالى كان لا يعلم ثم علم، وهذا قول اليهود، فاليهود يقولون بعدم النسخ؛ لأن النسخ يعني: البداء، يعني: عدم العلم، فقالوا: إن النسخ لا يمكن أن نقبله على اعتبار أن الله يعلم، وعلم الله سبحانه وتعالى أزلي، فمعنى أن نقول: إنه نسخ، أننا نتهم الله بعدم العلم.
وعلى النقيض من اليهود الشيعة الرافضة قالوا بجواز البداء على الله، وأن الله كان لا يعلم ثم علم، وللأسف رأيت في أخبار اليوم مقالاً للدكتور عمارة يدندن فيه على أنه لا فرق بين الشيعة والسنة، وهذا كلام خطير جداً، ويقول: شيعة حنابلة شافعية مالكية كلنا واحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فوضع الشيعة مع الاختلاف المذهبي، مع أن اختلافنا مع الشيعة اختلاف في غالب الأصول: عقيدة الرجعة، عقيدة المهدي المنتظر، يطعنون في القرآن الذي بين أيدينا اليوم، يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث ولا حرج عن عقائدهم الفاسدة.
وليس معنى ذلك أننا نفرّق الأمة، بل نحن نقول بوحدة الأمة في مواجهة العدو، لكن مع الحفاظ على الفروق، يعني: إن جاء عدو إلى بلادنا نتحد جميعاً في دفعه سنة وشيعة، لكننا نؤمن إيماناً جازماً أن هناك فرقاً بيننا وبينهم؛ لأن بعض الناس يقولون: أنتم تفرقون، والأمة الآن في حاجة إلى تجميع لصد العدوان، وهذه كلمة أريد بها باطل.
ولما قامت ثورة الخميني أقاموا لها الدنيا، وأنا أذكر أنهم صوروه لنا على أنه مخلص جاء ليخلص الأمة، وإذا عدت إلى كتابه: (الحكومة الإسلامية) تجد أنه كتب فيها بالحرف الواحد: زيارة قبر الإمام عندنا تعدل حج البيت سبعين مرة.
وهذا كلام لا يمكن أبداً أن يقبل.
وكذلك عندهم العصمة للأئمة، فالإمام له العصمة أكثر من الأنبياء، فالأئمة أفضل من الأنبياء كما يزعمون، وهذا الكلام ليس هذا محله، لكنني أردت أن أنبه للخلط المقصود المتعمد من البعض.
فدعوى النسخ تحتاج منا إلى دليل، والدليل هو معرفة المتقدم والمتأخر، يعني: معرفة التاريخ، ولذلك هناك مبحث في النسخ اسمه: كيف يعرف النسخ؟ والنسخ يعرف إما بطريق توقيفي، بخبر ظاهر يدل على النسخ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها)، فهذا واضح في نسخ عدم الزيارة، وإما بعلم التاريخ، فمن ادعى النسخ فلابد أن يأتي بتاريخ يدلل به على أن هذا متقدم على هذا بالتاريخ، فدعوى النسخ لا تقبل إلا بهذه الطريقة.