الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله.
أما بعد: فأيها الإخوة الكرام الأحباب! هنا نقطتان هامتان ننبه عليهما: الأولى: أنه ينبغي على طالب العلم إذا أشكل عليه شيء مما سمعه أن يراجع الشيخ؛ ليفهم المراد، بدلاً من أن ينقل نقلاً خاطئًا مغلوطاً ويشيع الفتنة، ويتناقل أن الشيخ قال كذا وكذا.
فهذا ليس من آداب طلب العلم، وإنما ينبغي عليه أن يراجع ويفهم المقصود، وإن أخطأ الشيخ فلا بأس أن يصحح، فكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم.
لذلك ما أحوجنا إلى أن ندرس كتاب: حلية طالب العلم للدكتور بكر أبو زيد! وكان ينبغي أن نخصص له مجالس لنتعلم سوياً آداب طلب العلم.
ذكرنا قبل أنه لا يجوز أن نشتري علبة السمن مغلقة، فأحدث هذا جدلاً عند البعض، لكنه لو صبر قليلاً لعلم أن المخرج أن يشتري بالخيار، والبائع والمشتري بالخيار ما لم يتفرقا؛ أي: تتفرق الأبدان، هذا قول جمهور الصحابة، فإن قلت للبائع: أشتريها منك بشرط إن كان بها عيب أن تعود إليك في مدة كذا، وقبل، فأنت بالخيار أن تعيد السلعة إليه.
فالمخرج أن تشتري بالخيار، ومعنى الشراء بالخيار: أنك تشترط عليه: أنه إذا بدا فيها عيب أن تردها إليه، أما أن تردها وإما أن تحصل على فرق يسميه العلماء: الأرش.
ومعنى الأرش: الفرق بين السلعة وهي صحيحة والسلعة وهي معيبة، فإذا كانت السلعة صحيحة بعشرة ومعيبة بخمسة، فيكون الفرق خمسة، فمن حقك إما أن ترد السلعة أو أن تحصل على أرش يسمى عند العلماء أرش العيب.
فكان من الممكن أن الأخ ينتظر إلى أن نأتي إلى باب الخيار في فقه البيوع ولا يشغل نفسه بقضية السمن، ويتصل يميناً ويساراً وشرقاً وغرباً، ويراجع العلماء والشيخ قال: السمن، فما هذا يا عبد الله؟! النقطة الثانية: هناك قضايا تعرض علينا بين الزوجات والأزواج فننظر إلى الواقع وبناءً على الواقع نتحدث، فمثلاً: أمر النقاب ربما يكون فيه إما الطلاق وإما النقاب، فنحاول أن نهدئ من الروع وأن نحل المشكلة، وليست فتوى وإنما هي حل لمشكلة، فالبعض يأخذ هذا الكلام على أنه فتوى، يعني: المشكلة عندنا الآن إما أن نحضر المأذون وأن نطلق في الحال أو نهدي ونحاول أن نصلح صلحاً يسيراً لعل الأمور تمر، فهذا يصر على رأي وهي تصر على رأي، فهل من الحكمة أن نقف مع أحد الطرفين قولاً واحداً ثم يقول: سأطلِق وتقول: طلق.
هل من الحكمة أن نرسل إلى المأذون ليطلق قولاً واحداً؟ هذه ليست فتوى.
والبعض أيضاً يراجعنا في هذه الأسئلة: أنت قلت كذا وقلت كذا في مشكلة كذا، فأقول: هناك فرق بين الفتوى والقضاء، لكن لا أدري، يبدو أن القاهرة الكبرى تعلمت الفتن وتمرغت فيها فتجد النقص والطعن وقلب الحقائق، وهذا ليس من الأدب مطلقاً.
فينبغي أن تراجع في المسألة من تكلم فيها، ولا تخبر أحداً بها إلا بعد أن تراجع الشيخ، وتسأله: ماذا تقصد؟ ماذا تريد؟ لكننا الآن نسمع ونبلغ، فتبلغ الكلمة الآفاق، وربما يسمع خطأً ويبلغ خطأً وتحدث مشكلة بدون مشكلة.
وحينما يتصل أحد الإخوة ويقول: قال العالم الفلاني كذا، أقول له: لابد أن أتثبت من قولك من ذات العالم؛ لأن هذا الكلام عادة ينقل إما خطأً في السماع، وإما يُفهم فهماً خاطئاً، وهذا كثير، وحدث عنه ولا حرج، بل هو الغالب الأعم.