قال البخاري رحمه الله: [باب ما ينهى عن النوح والبكاء والزجر عن ذلك].
ثم أتى بحديث فقال: [حدثنا محمد بن عبد الله إلى أن قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (لما جاء قتل زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة جلس النبي صلى الله عليه وسلم يُعرف فيه الحزن، وأنا أطّلع من شق الباب فأتاه رجل فقال: يا رسول الله إن نساء جعفر وذكر بكاءهن، فأمره بأن ينهاهن، فذهب الرجل)].
البكاء الذي نهي عنه هو البكاء الذي فيه رفع الصوت وفيه نياحة، فحينما مات جعفر بن أبي طالب بكته نساؤه، فأمره أن ينهاهن.
قال: [(فذهب الرجل ثم أتى فقال: قد نهيتهن، وذكر أنهن لم يطعنه، فأمره الثانية أن ينهاهن، فذهب وقال: والله! لقد غلبنني أو غلبننا) الشك من محمد بن حوشب، فزعمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فاحث في أفواههن التراب، فقلت: أرغم الله أنفك، فوالله! ما أنت بفاعل وما تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم من العناء)].
ثم أتى بحديث آخر من طريق أم عطية قالت: (أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح)] وبيعة النساء ذكرها الله عز وجل في سورة الممتحنة بكسر الحاء وبفتحه، تسمى سورة الممتحَنة، أو سورة الممتحِنة، فيها ذكر بيعة النساء حينما جئن لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت معهن زوجة أبي سفيان واسمها هند، وكانت تلبس النقاب، فلم يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم إلا من صوتها، وهذا فيه مشروعية النقاب، وكانت تراجع النبي عليه الصلاة والسلام، فلما قال لهن: (ولا تزنين) قالت: أوتزني الحرة؟ أي يستحيل أن تزني المرأة الحرة، فتجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، ومعناه: أن المرأة الحرة لا تطلب الرزق بالرضاعة، يعني: لا تأخذ على الرضاعة أجراً، فعرفها النبي صلى الله عليه وسلم من صوتها فقال: (أنتِ هند، فقالت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل شحيح لا ينفق عليّ ولا على أولاده، أفآخذ من ماله يا رسول الله؟! قال: خذي ما يكفيك وولدكِ بالمعروف) ولما ذكر صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ} [الإسراء:31] قالت: (يا رسول الله ربيناهم صغاراً وقتلتموهم كباراً، فضحك عمر حتى استلقى على قفاه رضي الله عنه) ففي الحديث أن هند لم يعرفها النبي صلى الله عليه وسلم إلا من صوتها، ولم يعرفها من وجهها، ففيه مشروعية النقاب، ولكن تجد من يقول: النقاب عادة جاهلية وليس من شريعة رب البرية.
فنقول لهم: ماذا تقولون في هذا الحديث؟ وأنا لا أعرف هؤلاء كيف لا يتقون ربهم في هذه النصوص الواضحة البيّنة؟ فقولهم ليس من دين الله في شيء وإنما هو من الجاهلية الأولى، هذا إجرام والله الذي لا إله غيره، إجرام في حق الشرع، وإجرام في حق العلم، ومن العجيب أن هذا يقوله بعض الذين ينسبون إلى العلم ظلماً وزوراً؛ لأنهم خانوا العلم، وقبل ذلك خانوا ربهم عز وجل.
قالت أم عطية: (أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم عند البيعة ألا ننوح) أي: أنه أخذ عليهن عند البيعة عدم النياحة.
قالت أم عطية: فما وفت منا غير خمس نسوة أي: ما وفّت بهذه البيعة إلا خمس، والباقي لم يوفين.
قالت: (أم سليم وأم العلاء وابنة أبي سبرة امرأة معاذ وامرأتين، أو ابنة أبي سبرة وامرأة معاذ وامرأة أخرى).
وفي الحديث أن غالب النساء ينحن، إلا من رحم الله، وأم عطية تقول: فما وفّت منا إلا خمس، والباقي لم يوفين بعدم النياحة، لذلك الإنسان عند موت قريبه يحتاج إلى صبر.