توقفنا عند قول المصنف رحمه الله: [باب الصبر عند الصدمة الأولى].
ومما ينبه إليه: أن معرفة الإحالات في كتاب البخاري علم مهم، فعلى طالب العلم الذي يريد أن يجتهد في الطلب أن يبحث ويتتبع أطراف الحديث، أي: أن هذا الحديث أخرجه البخاري في عدة مواضع، وهذا يشير إلى الفقه وإلى تعلم الفقه، فإن أردت أن تستفيد فتابع أطراف الحديث في الرواية كما أخرجها البخاري رحمه الله تعالى.
قال البخاري: [باب الصبر عند الصدمة الأولى.
وقال عمر رضي الله عنه: نعم العدلان ونعم العلاوة].
يعني بذلك قول الله عز وجل: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156].
فالذين إذا نزلت بهم مصيبة قالوا: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] فجزاؤهم: {أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157].
فقوله: فنعم العدلان ونعم العلاوة، العدلان في قوله تعالى: ((أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ)) هذا واحد ((وَرَحْمَةٌ)) وهذه العدل الثاني، والصلوات والرحمة في مقابل صبرهم على المصيبة وقولهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، وزيادة على ذلك: ((وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ))، وهذا هو العلاوة.
ثم أورد البخاري رحمه الله قول الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].
ثم ذكر حديث أنس من طريق محمد بن بشار، وهذا الحديث أخرحه الإمام البخاري في كتاب تفسير القرآن، وأخرجه في كتاب الأحكام في بيعة النساء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).
وقد ذكرنا أن الصبر لغة: هو الحبس.
واصطلاحاً هو: حبس النفس على الطاعة، أو عن المعصية، أو على أقدار الله المؤلمة.
فالصبر إما حبس على طاعة، وإما حبس عن معصية، وإما حبس على أقدار الله المؤلمة، فالصبر يحمل هذه المعاني كلها، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45].