قال البخاري: [باب: ليس منا من شق الجيوب].
والجيب هو: ما تدخل فيه الرأس من فتحة الثوب، أي: عندما تلبس الثوب تدخل الرأس من هذه الفتحة، وتسمى: الجيب، فأحياناً عند حلول المصيبة يشق بعض الناس الجيب، فيأخذه من أوله إلى آخره.
قال البخاري: [من طريق عبد الله رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية)، ولطم الخدود إشارة إلى أنه عند حلول المصيبة الغالب هو أن يلطم الرجل أو المرأة الخد، وكذلك إن لطمت المرأة الرأس، لأن لفظ (الخدود) خرجت مخرج الغالب، فالغالب من فعل النساء أن يلطمن الخدود.
قوله: (ليس منا) أي: ليس على شريعتنا وسنتنا وهدينا، لا أن المقصود بظاهر النص أن يصبح كافراً، كما هو عادة الخوارج الذين يكفرون الناس بظواهر النصوص.
وبالمناسبة فقد قرأت حديثاً عند الإمام مسلم أورده في صحيحه في معرض بيان صفات الخوارج، ومن ضمن صفاتهم: أنهم يحلقون رءوسهم.
قال القرطبي معلقاً على ذلك: لم يعهد هذا عن الصحابة ولا عن التابعين إلا عند تحللهم من الحج أو العمرة، فلننتبه إلى هذا، إلا إذا كان الحلف لعذر أو لعلاج فيجوز، والله تعالى أعلم.
وقوله: (ودعا بدعوى الجاهلية)، أي: كأن يدعو بألفاظ جاهلية لا ينبغي أن تقال أبداً، كقول بعضهم: يا رب لم عجلت بموته؟! يا رب لِمَ لمْ أكن أنا الأول؟! إلى غير ذلك من الألفاظ الممقوتة، ولذا كان الصبر عند الصدمة الأولى كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعض النساء عند المصيبة تولول وكأنها تضرب سلاماً جمهورياً، وهذا من النياحة، ولذلك لا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية، والذي لا إله إلا هو لقد مات شاب صغير وهو الوحيد لأبيه فسمعت بعضهم يقول: يا رب مستكثر علينا الولد! ولا حول ولا قوة إلا بالله! وهذا كفر ما بعده كفر، فيا عبد الله (الصبر عند الصدمة الأولى) فإذا أصبت بمصيبة فقل مباشرة: لله ما أخذ وله ما أعطى، إنا لله وإنا إليه راجعون، ولذلك المصائب تمحص المعادن، فبعض الناس مؤمن في حال السراء لكن عندما تأتيه المصيبة ينقلب على وجهه، في حال السراء شاكر عند نزول الضرر لا تعرفه.
ثم أتى المصنف رحمه الله تعالى بحديث: رثاء النبي صلى الله عليه وسلم لـ سعد بن خولة، وبحديث ما ينهى من الحلق عند المصيبة، ثم جاء أيضاً بحديث: من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن، ومن جلس عند المصيبة لا يعرف فيه الحزن، وهذا إن شاء الله تعالى ما سنبينه في اللقاءات القادمة.