قال البخاري رحمه الله تعالى: [باب: الكفن من جميع المال] من المال قبل التوزيع، يعني: قبل أن نفصل في مؤخر صداق المرأة، وقبل استقطاع الوصايا وتسديد الديون وتوزيع التركة أستقطع من مجمل المال ثمن الكفن، وكذلك ما يلزم لقبره وموته، ولا ميراث إلا بعد سداد الديون: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:11] قال: [به قال عطاء والزهري وعمرو بن دينار.
وقال عمرو بن دينار: الحنوط من جميع المال].
ومعنى الحنوط: الطيب الذي يطيب به الميت من جميع ماله أيضاً.
قال: [وقال إبراهيم: يبدأ بالكفن، ثم بالدين، ثم بالوصية].
فالكفن قبل الدين وقبل الوصية، فلابد أن يستخرج الكفن والحنوط وما يلزم الميت من مواراته في التراب من إجمالي التركة قبل أي استقطاعات.
قال: [وقال سفيان: أجر القبر والغسل هو من الكفن].
يعني: إن كان سيغسل بأجر، وإن كان الكفن أيضاً يلزمه مال، وإن كان القبر يلزمه مال كل ذلك يستقطع قبل توزيع التركة.
ثم جاء بحديث عبد الرحمن بن عوف عن أبيه.
قال: [أتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوماً بطعام، فقال: قتل أخي مصعب بن عمير وكان خيراً مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، وقتل حمزة وهو خير مني، فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة، لقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا، ثم جعل يبكي رضي الله عنه].
عبد الرحمن بن عوف -أحد المبشرين بالجنة- كان صائماً في هذا اليوم، فجاءوا له بطعام قبل غروب الشمس ليفطر عليه، فتذكر مصعب وتذكر حمزة رضي الله عنه، وقال: قتل أخي مصعب بن عمير رضي الله عنه ولم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة.
فما وجه استدلال البخاري بهذا الحديث؟ وجه استدلال البخاري بهذا الحديث: أنه لو كان يجوز أن نكفنه من مال غيره لتدافع الصحابة إلى تكفينه من مالهم، لكن الأولى أن يكفن الميت من ماله، فكفن مصعب ما وارى إلا جزءاً يسيراً من بدنه، واكتفى الصحابة بهذا الجزء ولم يأتوا بكفن آخر، ففهم من هذا أنه لابد أن يكفن من جميع ماله.
هذا فقه البخاري.