إنه بين خوف ورجاء وقرب وتناء. وقال بعضهم: تمنى أن يضيع قلوصه فيبقى في في عزة. فيكون ببقائه في حيها كذى رجل صحيحة، ويكون في فقد قلوصه كذى رجل عليلة. قال اللخمي: وهذا القول هو المختار المعوّل
عليه، وهو الذي يدل عليه ما قبل البيت. والتهيام: بفتح أوله، مصدر للمبالغة من الهيام، والهيام كالجنون من العشق. وقال القالي في أماليه (?): حدّثنا أبو بكر بن دريد، عن الرياشي، عن ابن سلام، عن عزيز بن طلحة بن عبد الله (?)، عن عمه هند بن عبد الله، قال: بينا أنا مع أبي بسوق المدينة إذ أقبل كثير، فقال له أبي: هل قلت بعدي شيئا يا أبا صخر؟ قال هند: فأقبل عليّ، وقال: احفظ هذه الأبيات، وأنشدني:
وكنّا سلكنا في صعود من الهوى … فلمّا توافينا ثبتّ وزلّت
وكنّا عقدنا عقدة الوصل بيننا … فلمّا توافينا شددت وحلّت (?)
فواعجبا للقلب كيف اعترافه … وللنّفس لمّا وطّنت كيف ذلّت
وللعين أسراب إذا ما ذكرتها … وللقلب وسواس إذا العين ملّت
وإنّي وتهيامي بعزّة بعد ما … تخلّيت ممّا بيننا وتخلّت
لكالمرتجى ظلّ الغمامة كلّما … تبوّأ منها للمقيل اضمحلّت
فإن سأل الواشون: فيم هجرتها … فقل: نفس حرّ سلّيت فتسلّت
وقال أبو الحسن بن طباطبا في كتاب عيار الشعر (?): قال العلماء: لو أن كثيرا جعل قوله: (فقلت لها يا عز كل مصيبة ...) في وصف حرب لكان أشعر الناس. ولو جعل قوله: (أسيئي بنا ... البيت) في وصف الدنيا كان أشعر الناس.