قال المؤلف رحمه الله: [النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة.
أخبرنا محمد بن سلمة والحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع واللفظ له، عن ابن القاسم قال: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري وهو بمصر يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكراييس]، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط أو البول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها)].
وهذا الحديث أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم، وفيه دليل على تحريم استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة في الصحراء؛ لأن النهي للتحريم، وأما في البنيان فلا بأس بذلك على الصحيح؛ لما جاء في حديث ابن عمر: (أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة)، فدل على الجواز في البنيان، والقاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا نهى عن شيء ثم فعله فإنه يدل على أن النهي ليس للتحريم، إلا إذا حمل على حالة غير الحالة الأولى، مثل نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائماً ثم إنه شرب قائماً, فالنهي هنا يكون للتنزيه، وأما في هذه الحالة فقد نهى عن استقبال القبلة ثم استقبلها، ولكن هذا في حالة خاصة، وهي: أنه استقبلها في البنيان، فدل على الجواز في البنيان.
وفيها خلاف بين أهل العلم، فمن العلماء من منع حتى في البنيان، ومنهم أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فإنه لما جاء إلى مصر ووجد الكراييس، يعني: الكنف مبنية نحو القبلة، فقال: والله ما أدري ما نصنع بهذه الكراييس؛ لأنها مبنية باتجاه القبلة، وفي اللفظ الآخر أنه قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل، فهذا دليل على أن أبا أيوب كان يرى المنع حتى في البنيان.
والصواب: الجواز في البنيان، وهو اختيار البخاري رحمه الله في تراجمه، والنسائي وغيرهم.