قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من الريح.
أخبرنا قتيبة عن سفيان عن الزهري.
ح: وأخبرني محمد بن منصور عن سفيان قال: حدثنا الزهري قال: أخبرنا سعيد -يعني ابن المسيب - وعباد بن تميم عن عمه -وهو عبد الله بن زيد - قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يجد ريحاً أو يسمع صوتاً)].
هذا الحديث أخذ منه أهل العلم قاعدة شرعية تبنى عليها الأحكام وهي: أن اليقين لا يزول بالشك، وأنه يجب البقاء على اليقين وعلى الأصل حتى يأتي يقين آخر يدفع هذا اليقين، فاليقين لا يزول بالشك، وهذه قاعدة من قواعد الفقه العظيمة.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لما شكي إليه الرجل يجد في بطنه شيئاً -وفي اللفظ الآخر: يجد في بطنه قرقرة- قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، والصوت: الضراط، والريح: الفساء، كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه لما روى حديث: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط.
فالريح يوجب الوضوء، فإن كان له صوت فهو الضراط، وإن لم يكن له صوت فهو فساء.
وفيه دليل على ما ترجم له المؤلف رحمه الله وهو أنه يجب الوضوء من الريح، وإذا وجب الوضوء من الريح وجب الوضوء من البول والغائط من باب أولى؛ لأنه إذا وجب الوضوء من الأخف وجب الوضوء من الأشد.
وفيه أن اليقين لا يزول بالشك، ولهذا قال: (لا ينصرف حتى يسمع صوتاً) وهذا هو اليقين، وأما الشك فلا يعمل به.