أكل من علالة الشاة فصلى العصر ولم يتوضأ، يرى الزهري أن هذا هو المتقدم، وأن الأمر بالوضوء مما مست النار هو المتأخر، فيرى أن الحكم الأمر بالوضوء هو المتأخر فيكون ناسخاً لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، كيف الإباحة سابقة؟ يعني عندنا نصان متعارضان، متعارضان إذا عرفنا التاريخ فلا إشكال، المتأخر ينسخ المتقدم، لكن عندنا حديث يدل على الإباحة، وحديث يدل على المنع، ولا نعرف المتقدم من المتأخر، لو جهلنا التاريخ لكان كلام الزهري متجه، كلامه متجه، كيف؟ لأن الأكل من لحم الشاة من علالة الشاة والصلاة من دون وضوء جاري على البراءة الأصلية، على الإباحة الأصلية، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار ناقل عن البراءة الأصلية، وحينئذٍ يكون أقوى، أو ينضوي الأمر تحت قاعدة أخرى: التأسيس أولى من التأكيد، فكونه -عليه الصلاة والسلام- يصلي بدون وضوء بعد أن أكل من علالة الشاة هذا ماشي على البراءة الأصلية ومؤكد لها، وحديث: الأمر بالوضوء مما مست النار مؤسس لحكم جديد، والتأسيس أولى من التأكيد عند التعارض، هذا إذا لم نعرف التاريخ، كيف عرفنا التاريخ أن الترك هو المتأخر؟ من قول جابر -رضي الله عنه-: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار" ولولا هذا لقلنا: إن رأي الزهري وجيه؛ لأن الصلاة بدون وضوء مما مست النار مؤكد وجارٍ على الإباحة الأصلية، وعلى الأصل، والأمر بالوضوء ناقل عن هذا الأصل ومؤسس لحكم جديد.

وكان الزهري يرى أن الأمر بالوضوء مما مست النار ناسخ لأحاديث الإباحة؛ لأن الإباحة سابقة، واعترض عليه بحديث جابر: "كان آخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مست النار".

وقال النووي: كان الخلاف معروفاً بين الصحابة والتابعين ثم استقر الإجماع على أن لا وضوء مما مست النار، إلا ما استثني من لحوم الإبل.

وجمع الخطابي بوجه آخر وهو أن أحاديث الأمر محمولة على الاستحباب لا على الوجوب، واختار هذا المجد في المنتقى، فلا يكون فيه نسخ، وإنما يكون فيه صرف، ويبقى الأمر على الاستحباب، نعم.

عفا الله عنك.

باب: ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015