قد يقول قائل مثلاً: ابن رشدين ضعيف، وابن لهيعة مختلف فيه والجمهور على ضعفه، وروايته إذا انضمت إلى ابن لهيعة صارت شيئاً، إذا انضمت رواية ابن لهيعة إلى رواية رشدين يشد بعضها بعضاً، فتصير شيء، فبانضمام ابن لهيعة إلى رواية رشدين قد يحكم على الحديث بأنه حسن لغيره، أما الترمذي قال: وليس هذا بشيء، يعني ابن لهيعة متابع لرشدين، يعني متابعة لرشدين، والضعيف إذا كان ضعفه ليس بشديد يقوى بالمتابع، يقوى بالشاهد، وضعف ابن لهيعة ليس بشديد، بل وثقه بعض أهل العلم، وجرحه آخرون، والمرجح ضعفه، لكن على هذا يكون ضعفه ليس بشديد، وحسّن له ابن حجر بمفرده.
قول الإمام -رحمه الله تعالى-: "وهذا ليس بشيء" هل لأن الرواية لا ترتقي بالمتابع أو لأنه حكم عليها بأنها من باب الخطأ؟ يعني لو لم يرد حديث ابن عباس السابق، يعني رشدين بدلاً من أن يجعلها من حديث ابن عباس عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس جعلها رشدين عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، فهل نقول: إن هذا شاهد لحديث ابن عباس ويتقوى برواية رشدين إذا انضمت إلى رواية ابن لهيعة؟ أو نقول: إن إضافتها إلى عمر خطأ من هؤلاء الضعفاء؟ والصواب ما تقدم مما خرجه البخاري عن زيد بن أسلم عن عطاء عن ابن عباس؛ لأن هذه من المضايق التي لا يدركها آحاد الطلاب، بل هي من العلل الخفية؛ لأن من ينظر إلى الإسناد الأول يحكم عليه بالصحة بلا شك، وهو مخرج في الصحيح، وليس لأحد له فيه كلام، الحديث الثاني يقول: لماذا لا يكون عن ابن عباس وعن عمر -رضي الله عنهما-؟ فيكون حديث عمر شاهد لحديث ابن عباس المخرج في الصحيح فيحكم له بالصحة، لا سيما وأنه ليس فيه مخالفة في المتن، قول الإمام الترمذي: "ليس هذا بشيء" يدل على أن إضافة الخبر وإسناده إلى عمر خطأ، وأن المحفوظ أنه من حديث زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس.
يقول: والصحيح ما روى ابن عجلان وهشام بن سعد وسفيان الثوري وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.