يقول: "وقد رخص قوم من أهل العلم في البول قائماً" واحتجوا بحديث حذيفة، وقد رواه الجماعة، وحديث عائشة مستند إلى علمها، وخفي عليها ما علمه حذيفة، ولا شك في جواز البول قائماً إذا أمن الرشاش واستتر، لا شك فيه؛ لأن ثبت عنه وهو قدوة، وقد رواه عنه السبعة لا مطعن فيهم، مخرج في الصحيحين وغيرهما، فإذا وجد الشرط أمن الرشاش واستتر؛ لأن كلاً من عدم الاستتار ووجود الرشاش كله محرم، فإذا أتقي هذا المحرم جاز، وبعضهم علل بوله -عليه الصلاة والسلام- قائماً أنه كان لوجع كان بمئبضه -عليه الصلاة والسلام- يعني باطن الركبة، لا يستطيع أن يثني الركبة فبال قائماً، وقال بعضهم: إن العرب كان تستشفي بالبول قائماً من وجع الصلب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- إنما فعله لحاجة، ولا شك أن فعله دليل على الجواز، وما دام هو القدوة لا كلام لأحد مع فعله -عليه الصلاة والسلام-.
قال بعضهم: ينبغي أن يمنع، لماذا؟ لأنه عمل غير المسلمين، الكفار يبولون من قيام، فينبغي أن يمنع، ولا وجه لمنعه ما دام ثبت عن القدوة، ما دام ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وجه لمنعه، كما قال بعضهم ينبغي ما دام اليهود والنصارى الآن بدؤوا يعفون لحاهم فمن باب مخالفتهم أن نحلق، ما دام فعله والأمر به ثابت عن القدوة فلا كلام لأحد.
"قال أبو عيسى: وعَبيدة بن عمرو السلماني" المرادي مخضرم، مات قبل سنة سبعين "روى عنه إبراهيم -بن يزيد بن القيس بن الأسود- النخعي" الفقيه، "وعبيدة من كبار التابعين، يروى عن عبيدة أنه قال: أسلمت قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بسنتين، وعبيدة الضبي ... " يريد أن يفرق بين وعَبيدة وعُبيدة "وعبيدة الضبي صاحب إبراهيم هو عبيدة بن معتب الضبي، ويكنى أبا عبد الكريم".
والترمذي كما يقول الشيخ أحمد شاكر: يريد بهذا البيان الفرق بين شيخين يخشى من الغلط فيهما، أحدهما شيخ لإبراهيم النخعي، والآخر تلميذ للنخعي، فالأول عَبيدة بفتح العين المهملة ابن عمرو السلماني، والآخر عُبيدة بضم العين المهملة ابن معتب الظبي، والأول من كبار التابعين الثقات، والأخر من أتباع التابعين، وسيئ الحفظ، ضعيف الرواية، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.