الآن في بعض الأوقات أهل مكة في أوقات المواسم يركب السيارة قبل صلاة المغرب ولا يتسنى له النزول منها إلا بعد دخول وقت العشاء، أو يركب قبل صلاة الظهر ولا يتيسر له النزول منها إلا بعد دخول وقت صلاة العصر، ومثل هذا في البلدان المزدحمة، أحياناً بعض المشاوير في الرياض تأخذ ساعتين ثلاث، لا يستطيع أن ينزل من سيارته بين الزحام في السيارات، ولا يستطيع أن يؤدي الصلاة على وجه ناقص وهو حاضر، وهي فريضة لا تفعل على الراحلة، وإنما الذي يفعل على الراحلة النافلة فيضطر إلى الجمع، إلى تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الثانية، وهنا لو قلنا له: صلِ كل صلاة في وقتها للزم على ذلك الحرج الشديد؛ لأن بعض الناس يمكن يقول: أنا اطفي السيارة وأنزل يصير اللي يصير، الصلاة رأس المال، تسحب السيارة، يصنعون ما شاءوا، غرامات ما أدري إيش؟ سجن، يصير ما يصير، الصلاة رأس المال، لكنه حرج شديد هذا، حرج لك وحرج لغيرك، يعني إيقاف السيارة في طريق مزدحم يضاعف الازدحام مرات، وما سبب هذه الازدحامات إلا بسبب وقوف السيارات بحوادث أو غيرها، وإلا لو كانت السيارات سالكة ما صار ازدحام، على كل حال مثل هذا الحرج قد يكون مبرراً للجمع إذا كان من غير طوعه ولا اختياره، ولم يتحرَ الخروج في هذا الوقت، لكن خرج في هذا الوقت ما حسب له حساب، أو وجد حادث في طريقه ما استطاع أن يعبر، أو يروح يمين وشمال ليؤدي الصلاة حينئذٍ يجمع بين الصلاتين رفعاً للحرج.
وكلام الخطابي في المعالم نصه: "هذا حديث لا يقول به أكثر الفقهاء، وإسناده جيد، إنما تكلموا فيه من أمر حبيب، وكان ابن المنذر يقول به، ويحكيه عن غير واحد من أصحاب الحديث، وسمعت أبا بكر القفال يحكيه عن أبي إسحاق المروزي عن ابن المنذر، ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأن ابن عباس أخبر بالعلة، وهي قوله: "أراد أن لا تحرج أمته" أو "أراد أن لا يحرج أمته" واللفظ مروي على الوجهين، وعلى كل حال نفيه للحرج يدل على وجود حرج لولا هذا الجمع، فالجمع بعذر، وأما الجمع من غير عذر فلم يقل به أحد من أهل العلم.