قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الحلف.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن بشر وابن نمير وأبو أسامة عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)].
أورد أبو داود باباً في الحلف، وهو التعاقد والتناصر على شيء، وكان هذا في الجاهلية، وكانوا يعولون على ذلك ويعتمدون عليه، ولما جاء الإسلام وحد بين المسلمين وآخى بينهم، فصاروا بأخوتهم وتأليف الله عز وجل بين قلوبهم أغنى عن تلك الأحلاف، فصاروا إخوة متحابين متآلفين لا يحتاجون إلى ما يحتاجون إليه في الجاهلية من التحالف.
فأورد أبو داود حديث جبير بن مطعم رضي الله تعالى عنه قال: (لا حلف في الإسلام)، أي كالتحالف الذي كان في الجاهلية، (وأيما حلف كان في الجاهلية) يعني: إذا كان من الأشياء المحمودة المرغوبة فإن الإسلام لا يزيدها إلا شدة؛ لأنه جاء بتقوية الصلة والروابط بين الناس، وكل ما كان في الجاهلية مذموماً فإن الإسلام قد نسخه؛ لأنهم كانوا قبل ذلك يتحالفون على أن ينصر أحدهم أخاه سواء كان ظالماً أو مظلوماً، المهم أن واحداً ينصر الآخر على جميع الأحوال، فهذا مذموم.
وأما المعاقدة على النصرة والمؤازرة والإحسان فما كان في الجاهلية وهو غير مذموم، فإن الإسلام زاده شدة، يعني: أن هذه الأواصر والأمور التي كان أهل الجاهلية يتعاملون بها وهي محمودة فإن الإسلام جاء وأثبتها وزادها شدة وقوة؛ لأنه جاء بتثبيت كل ما هو محمود، ومنع كل ما هو مذموم، ولهذا جاء الإسلام وأمور الجاهلية منها ما هو محمود فأقره، ومنها ما هو مذموم فحرمه ومنع منه.
والحاصل: أن قوله: (لا حلف في الإسلام) لا ينافي ما جاء في آخر الحديث؛ لأن المثبت غير المنفي، المنفي هو التحالف على أمور سيئة غير حسنة، ويترتب عليها نصرة الظالم على المظلوم بسبب الحلف والتعاقد، وأما الأمور المحمودة التي كانت في الجاهلية فالإسلام زادها تثبيتاً وزادها قوة وشدة.