قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما جاء في ميراث الجد.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا همام عن قتادة عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنهما أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه؟ فقال: لك السدس، فلما أدبر دعاه فقال: لك سدس آخر، فلما أدبر دعاه فقال: إن السدس الآخر طعمة).
قال قتادة: فلا يدرون مع أي شيء ورثه، قال قتادة: أقل شيء ورث الجد السدس].
المراد بالجد هو أبو الأب وإن علا بمحض الذكور، وأما الجد من جهة الأم فإنه ليس من الورثة، وإنما هو من ذوي الأرحام فلا ميراث له، وإنما الذي يرث هو الذي يدلي بالأب، وميراثه كميراث الأب في الغالب، وإذا كان الأب موجوداً فليس له شيء.
وإن كان الأب غير موجود فإن الجد يرث في الغالب ميراث ابنه، فإن كان معه أصحاب فروض يفرض له، وإن كان معه أصحاب تعصيب -الأبناء وأبناء الأبناء- يفرض له أيضاً، وإن كان معه أصحاب فروض وبقي شيء في التركة يفرض له السدس، والباقي يأخذه تعصيباً.
أورد أبو داود حديث عمران بن حصين الذي فيه: [أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن ابن ابني مات فما لي من ميراثه؟ فقال: لك السدس.
فلما أدبر دعاه فقال: لك سدس آخر، ثم بعد ذلك قال له: إنه طعمة)، فقيل: إن هذه الصورة إنما تتحقق في وجود ابنتين فأكثر حيث يفرض لهما الثلثان، وليس هناك ابن عاصب للميت لا من أبنائه ولا من بني أبنائه، فترث البنتين الثلثين، والجد له السدس فرضاً، والسدس الباقي يأخذه تعصيباً، ولا يعطى الثلث على أنه فرض ولا على أنه تعصيب.
والتعصيب قد يذهب وقد يتلاشى، لكن السدس هو المستقر.
وقد يفرض للجد وتعول المسألة بالفرض، وأما التعصيب فهو أن يأخذ ما أبقت الفروض، وإذا لم يكن هناك معصب أولى منه فإنه يفرض له والباقي يأخذه بالتعصيب، وهو ممن يرث بالفرض تارة، وبالتعصيب تارة، ويجمع بينهما تارة؛ مثل هذه الصورة التي معنا، فإنها من قبيل كون ميراثه جمع فيه بين الفرض والتعصيب، كما قال (فلما أدبر دعاه، فقال: إن السدس الآخر طعمة).
يعني: أخذه عن طريق التعصيب, ولم يأخذه على أساس أنه فرض؛ لأنه لو قيل هذا فإن الثلث يكون له على سبيل الفرض، وهو لا يفرض له إلا السدس كالأب، أو الاستقلال بالميراث، أو يأخذ ما أبقت الفروض والأب يرث السدس إذا وجد فرع للميت، والباقي لأولاد الميت للذكر مثل حظ الإنثيين، إذا كانوا ذكوراً وإناثاً, وإن كن إناثاً فقط مثل حالة الجد التي جاءت في الحديث؛ يفرض له السدس والباقي يأخذه تعصيباً، فقد ميز له بين السدس الأول والسدس الثاني: أن السدس الأول على سبيل الفرض، والسدس الثاني على سبيل التعصيب.
فالفرض مستقر ثابت للجد ولا يمنعه منه إلا وجود الأب، وأما التعصيب فقد يحصل له وقد لا يحصل، وكما قلت: هو يرث بالفرض تارة وبالتعصيب تارة، ويجمع بينهما تارة كالأب.
[قال قتادة: فلا يدرون مع أي شيء ورثه].
يعني: من كان معه من الورثة، ولكن معلوم أن صورتها تكون بوجود جمع من البنات وليس معهن أخ؛ لأنه لو وجد معهن أخ فإن الجد له السدس والباقي للبنات والابن للذكر مثل حظ الأنثيين، لكن لما كان معه من يرث بالفرض فقط, فرض له السدس، والباقي يأخذه تعصيباً، وهو يتصور في: أن يكون معه ابنتان أو أكثر من الميت، أو بنت وعدد من بنات الابن؛ لأن بنات الابن مع البنت يأخذن السدس تكملة الثلثين؛ لأن ميراث البنات ثلثين، فلما كن متفاوتات في القرب من الميت أخذت القريبة النصف، وللتي أنزل منها درجة ما بقي من الثلثين وهو السدس.
[قال قتادة: أقل شيء ورث الجد السدس].
يعني: ليس هناك شيء أقل من السدس يحصل للجد, بل ليس هناك في المواريث أقل من السدس إلا الثمن، والثمن خاص بالزوجات، فأقل شيء يعطاه الجد السدس وهذا على سبيل الفرض، وقد يحصل أكثر من ذلك بالفرض والتعصيب كما في الصورة التي معنا حيث حصل على أكثر من السدس بالفرض والتعصيب.