قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من كان ليس له ولد وله أخوات.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام حدثنا هشام -يعني: الدستوائي - عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال: (اشتكيت وعندي سبع أخوات، فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فنفخ في وجهي، فأفقت، فقلت: يا رسول الله! ألا أوصي لأخواتي بالثلث؟ قال: أحسن، قلت: الشطر، قال: أحسن، ثم خرج وتركني، فقال: يا جابر! لا أراك ميتاً من وجعك هذا، وإن الله قد أنزل فبين الذي لأخواتك، فجعل لهن الثلثين، قال: فكان جابر يقول: أنزلت هذه الآية في: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ)) [النساء:176])].
قوله: [باب من كان ليس له ولد وله أخوات] هذا فيه إشارة إلى تفسير الكلالة، وأن المقصود بها: من ليس له ولد، وهذا هو الذي جاء في القرآن: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:176]، وما ذكر الوارث، ولكن العلماء من الصحابة ومن بعدهم اعتبروا أن الكلالة من لا أصل له ولا فرع، أي من ولد له ولا والد، فليس المقصود بالكلالة: من ليس له ولد، بل من ليس له والد ولا ولد، يعني: ليس له وارث من الأصول الذكور؛ لأن الأصول الذكور يحجبون الإخوة، فلا ميراث للإخوة مع وجود الأصول من الذكور بالنسبة للأب بالإجماع، وبالنسبة للجد على خلاف بين أهل العلم.
وعلى هذا فإن المراد بالكلالة من لا فروع له ولا أصول، وكذلك الفروع بالنسبة للذكور فإنهم يحجبون الإخوة، وإذا وجد بنات فإنهن يأخذن نصيبهن والباقي لأولى رجل ذكر، وإذا كان هناك إخوة فإنهم يرثون بعد فرض البنات، وإنما يحجبهم ويحول بينهم وبين الميراث نهائياً الأبناء وأبناء الأبناء، والأب باتفاق والجد على خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه يحجب الإخوة كالأب، فكما أن ابن الابن ابن وإن نزل، فأب الأب أب وإن علا، فيكون حاجباً للإخوة، وهذا هو القول الصحيح في ذلك.
وهنا ذكر المصنف التقييد بالولد؛ لأنه هو الذي جاء في القرآن، {إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ}، ولكن المقصود به من ليس له ولد وليس له والد، وآية الكلالة التي في آخر النساء فيها إشارة إلى هذا؛ لأن قوله: ((وَهُوَ يَرِثُهَا)) أي: الأخ الشقيق يرث أخته إن لم يكن لها ولد، وإذا كان هناك أب، فإنه يحوز ميراثها، فالكلالة هي من لا والد له ولا ولد.
أورد أبو داود حديث جابر وهو مثل الذي قبله، وفيه: أنه كان عرض أن يوصي لأخواته بالثلث، فقال: (أحسن)، يعني: إليهن، فقال: الشطر، فبعد ذلك تركه، ثم أخبره بأنه لن يموت من مرضه هذا، وأن الله عز وجل قد أنزل قرآناً، وأن لأخواته الثلثان، يعني: فرض الأخوات الثلثين، فقال جابر: إن هذه الآية نزلت في، وهي: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ}، فهي مثل الرواية التي قبلها، على اعتبار أن الأخوات الشقيقات أو لأب يرثن كلالة، وميراثهن إذا كن أكثر من واحدة فهو الثلثان، سواء كن ثنتين أو أكثر.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أحسن) يعني: زد، وهذا كان قبل أن تنزل الفرائض، وبيان الميراث، ولكنه بعدما نزل قال: إن الله أنزل في كتابه ما تستحقه أخواتك، وهو الثلثان، إذاً فلا وصية، وقبل أن ينزل الميراث كانت الوصية موجودة للوالدين والأقربين، ولكن نسخت بعد أن نزلت آيات المواريث، وقد جاء في الحديث (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)، وهذه المحاورة كانت قبل أن ينزل البيان الذي فيه استحقاقهن للميراث، وجاء في السنة أنه لا وصية لوارث.