ثم أورد أبو داود حديث عبيد بن عمير بن قتادة الليثي وفيه زيادة كبيرتين وهما: (وعقوق الوالدين المسلمين) عقوق الوالدين من أكبر الكبائر، والله تعالى يقرن الإحسان إلى الوالدين بحقه سبحانه وتعالى، وعندما يأتي الأمر بالعبادة يأتي مع ذلك الوصية بالوالدين، قال الله: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23] أي: وأحسنوا بالوالدين إحساناً، وذلك لأهمية البر بالوالدين، وخطورة عقوقهما؛ لأنهما السبب في وجودك، وهما اللذان تعبا من أجلك حتى بلغت مبلغ الرجال، فإحسانهما عليك عظيم، فإذا قابلت الإحسان بالإساءة فهذا يدل على شدة اللؤم، وعلى خبث الطبع.
قوله: (واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتاً).
المحرمات في كل وقت وفي كل حين محرمة، ولكنها في المكان المقدس أخطر؛ لأن المعصية في الحرم أشد من المعصية في غير الحرم، لأن المعاصي في الزمان الفاضل والمكان الفاضل أعظم منها في غيره، والمعاصي لا تتضاعف بكمياتها بأن تكون السيئة في الحرم بسيئتين أو ثلاث أو عشر، ولكن السيئة في الحرم أعظم من حيث الكيف، ومن حيث الخطورة، أي أنها تضخم وتعظم، والسيئة في الحرم أعظم من السيئة في غير الحرم؛ لأن من يعصي الله في حماه وفي حرمه ليس كالذي يعصيه في مكان آخر، وإن كان الكل معصية لله عز وجل لكن يزداد الأمر خطورة إذا كان في المكان المقدس.
وكذلك ما يختص بالحرم مثل الصيد فلا يجوز الصيد في الحرم، ولا يجوز قطع الشجر الذي نبت بدون سبب من الناس، أما ما يزرعه الناس لحاجتهم ومصالحهم فلهم أن يقطعوه، فإذا زرعوا زرعاً أو علفاً لبهائمهم فإنهم يقطعون الذي زرعوه ويعلفونه لبهائمهم، ولكن الشجر الذي نبت من دون فعل الآدميين ليس لهم أن يقطعوه.
وقوله: (قبلتكم أحياء وأمواتاً)، هذا يدل على أن الناس عندما يموتون يوجهون إلى القبلة؛ لأنه قال: (قبلتكم أحياء وأمواتاً) أي: في حال حياتكم تتعبدون وتؤدون الصلاة وتتجهون إلى القبلة، وفي حال الموت يوجه الميت إلى القبلة، وعندما يدفن في قبره يكون وجهه إلى القبلة وليس إلى جهة أخرى.