قوله: (وأكل الربا)، وهو أن يباع الذهب بالذهب مع التفاضل، كجنيه بجنيهين، أو ذهب رديء بذهب جيد مع اختلاف الوزن؛ لأنه لا بد من التساوي والتقابض في المثلين، فلا فضل الذي هو زيادة هذا على هذا، ولا نسيئة وهو أن يشترى ذهب بذهب ثم يسلم أحدهم ويؤجل الآخر، فلا بد من التماثل، ولا بد من التقابض؛ فلا ربا فضل ولا ربا نسيئة، وربا الفضل: هو الزيادة في أحد العوضين في النوع الواحد كالذهب بالذهب، وربا النسيئة هو التأجيل، بأن يحصل التساوي ولكن بعضه حاضر وبعضه غائب، أو بعض هذا حاضر وبعضه غائب، فلابد أن يكون كله حاضراًَ، وأن يقبض هذا مع هذا، وكذلك الأشياء المتماثلة مثل التمر بالتمر، والشعير بالشعير، والبر بالبر، لا بد من التماثل فيها والتقابض.
فإذا اختلف الجنس بأن بيع ذهب بفضة، أو تمر ببر، فالتفاضل لا بأس به، ولكن لا بد من التقابض، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد).
إذاً: التقابض لابد منه في جميع الأحوال، والتماثل لابد منه فيما إذا كانا جنساً واحداً، والتقابض لا بد منه إذا كانا جنساً واحداً، وإذا كانا جنسين فلا بأس بالتفاضل لكن بشرط التقابض.
أما بالنسبة للأثمان فكون الإنسان يشتري تمراً بفضة أو بذهب يجوز، وإن كانت هذه كلها ربوية، إلا أنها لما كانت أثماناً فلا بأس بأن يكون الثمن حاضراً والمثمن غائباً، أو المثمن حاضراً والثمن غائباً، فتعجيل الثمن وتأجيل المثمن -مثل السلم الذي جاء جوازه- لا بأس به.
والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282] يكتب؛ لأن الذهب والفضة أثمان، وكذلك الأوراق النقدية أثمان، فلا يقال: إنه جنس بآخر، فلا بد فيه من التقابل.
وأخذ الربا حرام سواء أكل أو أخذ عن طريق الربا، أو بني به بيت، أو اشتريت به سيارة، كل ذلك حرام، ولكنه عبر بالأكل -وإن كانت جميع أوجه الانتفاع ممنوعة ومحرمة- لأن الأكل هو الغالب في الاستعمال بين الناس؛ لأنهم يأكلون من المال الذي يحصلونه، ويعتمدون على المال الذي يحصلونه في القوت، فليس الأمر مقصوراً على الأكل، بل إذا أخذ الربا واشترى به سيارة أو مسكناً أو لباساً فهو حرام، ولكنه عبر بالأكل لأنه أعم وجوه الانتفاع.
قوله: (وأكل مال اليتيم)، المقصود به أن يأخذ الإنسان مال اليتيم سواء اشترى به لباساً أو سيارة أو أي شيء، فصاحبه مرتكب كبيرة، ولكنه عبر بالأكل أيضاً لأنه أعم وجوه الانتفاع، وأكثر وجوه الانتفاع، وإلا فالحكم يعم جميع وجوه الانتفاع.
قوله: (والتولي يوم الزحف) أي: عند التقاء المسلمين بالكفار في سبيل الله، ثم يفر؛ لأن هذا يسبب الهزيمة للمسلمين، وينتج عنه ضعفهم أمام عدوهم.