قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يكره من الضحايا.
حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب رضي الله عنهما: ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله، فقال: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء بين عورها، والمريضة بين مرضها، والعرجاء بين ظلعها، والكسير التي لا تنقي، قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد).
قال أبو داود: تنقي التي ليس لها مخ].
أورد أبو داود: [باب ما يكره من الضحايا] ومعنى الكراهة هنا التحريم.
وأورد فيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وفيه: [(أربع لا تجوز في الأضاحي)] يعني لا يجوز أن يضحى بها.
قوله: [(العوراء البين عورها)]، يدل على أن العور إذا كان خفيفاً وكان البصر موجوداً ولكن فيه ضعف أنه لا يؤثر؛ لأن قوله: [(البين عورها)] يدل على أن المعتبر هو ما كان بهذا الوصف، أما إذا كان في العين عور ضعيف، فإن ذلك لا يؤثر ولا يمنع، وإنما صارت العوراء ناقصة لا يضحى لأنه نقص في الخلقة، هذا أولاً.
والأمر الثاني: أن ذلك من أسباب عدم تمكنها من الحصول على الأكل في المرعى كما تحصله سليمة العينين؛ لأن هذا النقص فيها بالنسبة للعين الواحدة يترتب عليه عدم الاستفادة من المرعى مثلما تستفيد ذات العينين السليمتين، ومن باب أولى العمياء.
قوله: [(والمريضة البين مرضها)]؛ لأن ذلك يؤثر في طيب اللحم ويؤدي إلى عدم جودة اللحم بسبب المرض، فإذا كان المرض خفيفاً لم يمنع، مثلما قيل في العوراء.
قوله: [(والعرجاء البين ظلعها)] وهي التي في إحدى يديها أو رجليها كسر أو ضعف أو خلل، فهي تعرج ويكون عرجها بيناً، وأما إذا كان العرج خفيفاً لا يمنعها من أن تعدو وأن تمشي مع غيرها من السليمات، فإن ذلك لا يمنع ولا يؤثر؛ لأن قوله: [(البين ضلعها)] معناه لأنها تتأخر ولا تلحق بغيرها من السليمات، ويكون ذلك من أسباب نقصها، ومن أسباب عدم تمكنها من الرعي؛ لأن غيرها يسبقها ويأكل وهي تأتي وراءه فتأكل مما خلف ومما ترك، ففيها ضعف من ناحية حركتها ومن ناحية عدم تمكنها من أن ترعى كما ترعى الغنمة السليمة.
قوله: [(الكسير التي لا تنقي)]، الكسير هي المكسورة، والتي لا تنقي هي التي ليس فيها مخ، ويكون ذلك بسبب الكسر الذي حصل فيها فيكون فيها ذلك الضعف، وعلى هذا فهي قريبة من النوع الثالث الذي مر وهو العرجاء البين ظلعها، إلا أن ذاك يكون أعم؛ لأن الضلع قد يكون من كسر وقد يكون من ضعف في الرجل أو اليد؛ لأنها تعرج بسبب العيب الذي فيها وإن كان الكسر غير موجود.
وبعض الذين خرجوا الحديث من الأئمة رووه بلفظ (العجفاء التي لا تنقي)، بدل [(الكسير)]، ومعناه الهزيلة، التي ليس فيها مخ، يعني كما قال أبو داود: [ليس لها مخ].
فبعض الأئمة ذكروا الحديث نفسه وعبروا فيه بالعجفاء، وهو الذي يناسب من ناحية أن ذكر الكسير فيه تداخل مع الذي قبله وهو [(العرجاء البين ظلعها)].
والتي لا تنقي هي التي لا مخ في عظامها، وهو الدهن الذي داخل العظام.
قوله: [عن عبيد بن فيروز قال: سألت البراء بن عازب: ما لا يجوز في الأضاحي؟ فقال: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله)].
عبيد بن فيروز سأل البراء: [(ما لا يجوز؟)] أي: ما الذي لا يجوز؟ فكان أن أجاب بالحديث، وهذه طريقة سلف هذه الأمة من الصحابة ومن بعدهم، أنهم كانوا إذا سئلوا أجابوا بالأثر؛ لأن الإجابة بالأثر تشتمل على الجواب والدليل؛ لأنه لو أتى بالجواب بدون الدليل لاحتاج إلى أن يسأل سؤالاً آخر: ما الدليل على هذا؟ لكنه إذا م أجاب بالأثر يكون قد حصل منه الجواب على السؤال وزاد عليه بيان الدليل الذي يدل عليه.
وقد يورد الحديث وهو حديث طويل من أجل جملة فيه هي محل السؤال، ومن أمثله ذلك حديث جبريل المشهور الذي أورده مسلم في فاتحة صحيحه عن عمر قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله) الحديث الطويل، فقد أورده ابن عمر بسبب سؤال عن الإيمان بالقدر.
وهنا البراء بن عازب يحكي ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه أشار بأصابعه، قال: [(وأصابعي أقصر من أصابعه، وأناملي أقصر من أنامله)] الأنامل هي: جزء من الأصابع أو بعض الأصابع، وهذا الذي قاله البراء قيل: إنه من باب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون مع الأدب بيان الواقع، وأنه يعرف أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصابعه أكبر من أصابعه.
قوله: [(وفي آخره قال: قلت: فإني أكره أن يكون في السن نقص، قال: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد)] يعني: السن الذي يجزئ أو الذي يضحى به.
قوله: (ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد) معناه: أنه إذا كان هناك نقص لا يصل إلى حد المنع، وأن الإنسان أراد أن يحصل الأكمل والأفضل ويترك هذا الذي فيه شيء من النقص، فليحصل الأفضل ولا يمنع غيره، وذلك مثل أن تكون عوراء ليس عورها بيناً، فإنها تكون مجزئة، فمن أراد تجنبها فليفعل ولا يحرمها على غيره.