قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يستحب من الضحايا.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة حدثني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، وينظر في سواد، ويبرك في سواد، فأتي به فضحى به، فقال: يا عائشة! هلمي المدية! ثم قال: اشحذيها بحجر، ففعلت، فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه، وقال: باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [باب ما يستحب من الضحايا]، يعني صفة الشيء الذي يضحى به، وما يستحب أن يكون عليه، وذلك فيما يتعلق باللون أو السمن.
وأورد أبو داود حديث عائشة وهو يتعلق باللون.
قوله: [(إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن)] أي: له قرنان، وذلك يدل على كمال خلقته، وكما هو معلوم أن غير الأقرن سائغ، ولكن هنا الإشارة إلى الأفضل وإلى الأولى.
قولها: [(يطأ في سواد)] أي أن رجليه ويديه سوداء، ومعناه أنه ليس كله أسود، وليس كله أبيض، ولكنه فيه سواد وبياض، والسواد في رجليه ويديه.
قولها: [(وينظر في سواد)] أي أن عينيه وما حول عينيه أسود.
قولها: [(ويبرك في سواد)] معناه أن أسفل بطنه مما يلي الأرض أسود.
فالمعنى أن الكبش فيه سواد وفيه بياض، والسواد كان في رأسه وفي رجليه وفي بطنه.
قوله: [(هلمي المدية)] أي: هاتي السكين.
قوله: [(اشحذيها)] معناه أنها تحدها كما جاء في الحديث: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، فالشحذ هنا هو الإحداد، ومعناه أن السكين تجرى على حجر أو على حديدة حتى يكون ما يقطع به حاداً، وذلك ليحصل مقصوده وهو الراحة وعدم المضرة والتعذيب للذبيحة، لأن السكين إذا كانت كالة تتألم الذبيحة وتتأذى.
والحديث يدل على أن من صفات الذبيحة المستحبة أن يكون فيها بياض وسواد، وأن المضحي يستحب له أن يباشر الذبح بنفسه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم باشر الذبح بنفسه ولم يوكل أحداً، ويجوز للإنسان أن يوكل لكن المباشرة أولى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
وكذلك يدل الحديث على إراحة الذبيحة وشحذ الآلة التي يذبح بها حتى تكون حادة فلا تتأذى الذبيحة ولا يحصل لها تعذيب.
قولها: [(فأخذها وأخذ الكبش فأضجعه وذبحه)].
أي: أخذ السكين، وإضجاع الكبش يكون على جنبه الأيسر موجهاً إلى القبلة بحيث يطأ الذابح على صفحة عنقه برجله اليمنى، ويمسك الرأس باليد اليسرى، ويذبحه باليد اليمنى.
قولها: [(وقال: باسم الله)].
يدل على مشروعية التسمية عند الذبح وأنه يقول: باسم الله، في بعض الروايات أنه يقال: (باسم الله والله أكبر).
قوله: [(اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)].
فيه أن الرسول ضحى عن نفسه وعن آله وأمته، أي عمن لم يضح منهم.