قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الضحايا.
باب ما جاء في إيجاب الأضاحي.
حدثنا مسدد حدثنا يزيد ح وحدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر عن عبد الله بن عون عن عامر أبي رملة قال: أخبرنا مخنف بن سليم رضي الله عنه قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات قال: (يا أيها الناس! إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول عنها الناس الرجبية).
قال أبو داود: العتيرة منسوخة، هذا خبر منسوخ].
الضحايا: جمع ضحية، ويقال: أضاحي: جمع أضحية وإضحية، ويقال: أضحات: جمع أضحى.
وعلى هذا فإن المفرد فيه أربع لغات، والجمع على ثلاثة أوجه، فأضحية وإضحية بضم الهمزة وكسرها تجمع على أضاحي، وضحية تجمع على ضحايا، وهو الذي عقد المصنف الترجمة عليه حيث قال: كتاب الضحايا، واللفظ الرابع: أضحات والجمع أضحى فيكون من قبيل ما يكون المفرد فيه أكثر من الجمع في الحروف مثل بقر وبقرة، وشجر وشجرة؛ لأنه إذا جاءت التاء فيه صار مفرداً، وإذا حذفت منه صار جمعاً.
والضحية أو الأضحية أو الأضحات هي ما يذبح يوم النحر والثلاثة الأيام التي بعده تقرباً إلى الله عز وجل من غير الهدي؛ لأن الهدي لا يقال له أضحية، والهدي يكون في الحرم والأضحية تكون في كل مكان.
واختلف العلماء في حكمها: فمنهم من قال بوجوبها، ومنهم من قال: إنها من السنن المؤكدة، ومنهم من قال: إنها واجبة على ذوي اليسار ومستحبة لغيرهم، وأبو داود رحمه الله عقد الترجمة الأولى من الأبواب في هذا الكتاب بقوله: [باب ما جاء في إيجاب الأضاحي].
وجمهور أهل العلم على أنها مستحبة، وأنها من السنن المؤكدة، قالوا: ولم تأت أدلة واضحة تدل على الوجوب.
وقد أورد أبو داود في هذه الترجمة حديثين: الأول حديث مخنف بن سليم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(يا أيها الناس! إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة)].
وهذا يدل على الوجوب؛ لأن قوله: [(على كل أهل بيت)] معناه أنه يجب عليهم، أو مكتوب عليهم.
قوله: [(أضحية وعتيرة)] الأضحية قد عرفناها، وهي ما يذبح يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة التي بعده تقرباً إلى الله عز وجل مما ليس بهدي.
والعتيرة هي الذبيحة التي تذبح في أوائل رجب، وكان هذا في الجاهلية وكان في صدر الإسلام، ثم جاء ما يدل على منعه وعلى النهي عنه، وجاء في الحديث: (لا فرع ولا عتيرة)، والعتيرة فعيلة بمعنى مفعولة، أي معتورة، والمعنى مذبوحة في رجب، ويقال لها: الرجبية، فالذين قالوا بالوجوب استدلوا بهذا الحديث، والحديث في إسناده من هو مجهول، فيكون ضعف الحديث بسببه.
ومن العلماء من قال: إن العتيرة باقية ولكنها على الاستحباب، ولم ينقل عن أحد من أهل العلم أنه كان يفعلها إلا ما جاء عن سعيد بن جبير أو سعيد بن المسيب خاصة، وإلا فإن أهل العلم لا يقولون بها، والمشهور عن أهل العلم أنهم لا يقولون بها -أي العتيرة-، وأنها إما ثابتة ولكنها منسوخة، أو أن الأحاديث الواردة فيها غير ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث الذي معنا فيه شخص متكلم فيه، والألباني قد حسن هذا الحديث، وفيه هذا الشخص الذي لا يعرف.
وأبو داود رحمه الله ذكر بعده أنه منسوخ، ولكن يشكل عليه إذا كان ثابتاً أن هذا في حجة الوداع في آخر الأمر، وليس هناك بين حجة الوداع وبين وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أشهر قليلة، فهذا يفيد أنه متأخر وليس بمتقدم، فالنسخ غير واضح، اللهم إلا أن يكون الناسخ جاء في الأشهر التي بعد الحج.
والقول بأنها كانت في الجاهلية وجاءت في أول الإسلام ثم نسخت هو الأقرب؛ لكن كون الحديث يدل على التأخر وأن ذلك كان في حجة الوداع، فالذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث غير ثابت من أجل الرجل الذي في إسناده وهو غير معروف.