قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن جابر بن صبح قال: سمعت خلاساً الهجري سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: (كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت بالشعار الواحد، وأنا حائض طامث، فإن أصابه مني شيء غسل مكانه، ولم يعدُه، ثم صلى فيه، وإن أصاب -تعني: ثوبه- منه شيء غسل مكانه ولم يعدُه، ثم صلى فيه)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تبيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعار الواحد، والشعار: هو الثوب الذي يلي البشرة، ويتصل بها مباشرة، سُمي شعاراً لأنه يتصل بالشعر، وبالجسد، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار بالشعار عندما بين فضلهم وقربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين، عندما أعطى المؤلفة قلوبهم المئات من الإبل، ولم يعط الأنصار شيئاً، فوجدوا في أنفسهم إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، ولم يعطوا مثل ما أعطي الناس، ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما في نفوسهم جمعهم في مكان، وتكلم معهم، وأخبرهم بما هو أحسن لهم من الإبل والمال، وكان مما قال: (الأنصار شعار والناس دثار)، يعني: أن الأنصار مني بمنزلة الشعار الملتصق بالجسد، والدثار هو الثوب الذي يكون وراءه.
ومعنى حديث عائشة: أن كلاً منهما يبيت في الشعار، وليس المعنى أنهما داخل شعار واحد بلا حاجز، ولا فاصل بينهما، ولكن هي عليها شيء، وهو عليه شيء صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذا أصابه منها شيء من الدم غسل المكان الذي أصابه منه، ولم يعده، يعني: لا يتجاوز المكان الذي وقع فيه الدم، بل يغسل المكان الذي فيه الدم فقط، وهذا هو معنى (ولم يعده).
وإذا أصاب ثوبه شيء من الدم فإنه يغسله، ولا يعده، يعني: لا يتعداه أو يتجاوزه، ثم يصلي فيه؛ لأنه غسل مكان النجاسة فبقي الثوب على طهارته، ولا يغسله كله ما دام أن النجاسة عرف محلها؛ فيكفي غسل المكان المتنجس من الثوب، لكن إذا جهلت النجاسة في الثوب، ولم تكن متبينة بلونها أو علامتها وأثرها فيجب غسل الثوب، وذلك إذا علم بأن فيه نجاسة وجهل موضعها من الثوب؛ لأنه لا يحصل اليقين إلا بذلك.