قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: مال مكحول وابن أبي زكرياء إلى خالد بن معدان وملت معهما، فحدثنا عن جبير بن نفير قال: قال جبير: انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأتيناه فسأله جبير عن الهدنة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (ستصالحون الروم صلحاً آمناً، وتغزون أنتم وهم عدواً من ورائكم)].
أورد أبو داود حديث ذي مخبر رضي الله تعالى عنه أنه جاءه جبير بن نفير ومعه غيره يسألونه عن الهدنة، أي: الهدنة التي تقع بين المسلمين والنصارى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ستصالحون الروم) وهم النصارى.
وقوله: [(صلحاً آمناً)] أي: يحصل الأمن بينكم وبينهم بمقتضى هذا الصلح، وهذا هو محل الشاهد للترجمة؛ لأن النصارى كفار، وهم أعداء المسلمين، ومع ذلك يحصل بينهم صلح، وهذا في آخر الزمان.
قوله: [(وتغزون أنتم وهم عدواً من روائكم)].
يعني: عدواً مشتركاً للمسلمين والنصارى، وليس معنى ذلك أنهم يغزون للجهاد في سبيل الله، ولإعلاء كلمة الله، ولإدخال الناس في دين الله؛ لأن النصارى أنفسهم كفار، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فلن أستعين بمشرك) وإنما المقصود: أن هذا عدو مشترك للجانبين، وأن أولئك المتصالحين تعاونوا على ذلك العدو المشترك.
قوله: [(من ورائكم)] هذا يحتمل أن يكون من خلفهم ويحتمل أن يكون من أمامهم؛ لأن (وراء) تأتي بمعنى الأمام.
وقد أورد أبو داود الحديث في كتاب الملاحم في آخر الكتاب، وذكر في آخره أنهم عندما ينتصرون أو يغنمون أو يسلمون يأتون قافلين حتى إذا صاروا في مرج ذي فلول قام واحد من النصارى ونادى: انتصر الصليب! فيقوم رجل من المسلمين فيكسر الصليب الذي معه، فعند ذلك ينقض الروم العهد ويجمعون لقتال المسلمين، فيقتلون المسلمين قتلاً ذريعاً، وهذا لم يحصل إلى الآن، ولكنه لا بد أن يحصل كما أخبر بذلك الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.