قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم.
حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن عاصم بن كليب عن أبي الجويرية الجرمي قال: (أصبت بأرض الروم جرة حمراء فيها دنانير في إمرة معاوية، وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد، فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم، ثم قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لا نفل إلا بعد الخمس.
لأعطيتك، ثم أخذ يعرض علي من نصيبه فأبيت)].
أورد أبو داود باباً في النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم، يريد من وراء ذلك أن النفل ليس خاصاً بالإبل والخيل وغير ذلك، بل يكون أيضاً في الذهب والفضة، فيقال: من أتى بشيء فله ربعه أو فله منه كذا، فلا بأس بذلك، ويكون في الذهب والفضة كما يكون في غيرها.
قوله: [ومن أول مغنم].
كأن المقصود به أنه من أصل الغنيمة قبل إخراج الخمس.
قوله: [وأعطاني منها مثلما أعطى رجلاً منهم].
يعني: أنه ما ميزه بشيء نفلاً لكونه جاء بها، وذلك لأنها اعتبرت من الفيء الذي ما أوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، وإنما هي شيء وجدوه مما تركه العدو وهرب دون أن يكون هناك قتال، فكانت فيئاً أفاء الله تعالى بها على المسلمين، فلا يعتبر غنيمة تخمس وتكون أربعة الأخماس للغانمين، وإنما يصرف كله في مصالح المسلمين، فقسمه ذلك الأمير عليهم ولم يميزه بشيء ثم قال: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس.
لأعطيتك).
قوله: [(لا نفل إلا بعد الخمس)] يعني: في الغنائم؛ لأن الغنائم هي التي تخمس، وأما الفيء فإنه لا يخمس.
وقوله: [(لا نفل إلا بعد الخمس)] يدل على أن التنفيل إنما يكون في الغنائم، وأن الفيء لا يكون فيه التنفيل؛ لأنه ما حصل فيه جهد خاص من ناحية النكاية بالأعداء وقتالهم، فمحل الشاهد من الترجمة قوله: (لولا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا نفل إلا بعد الخمس.
لأعطيتك) ثم إنه أراد أن يرضيه ويعطيه من نصيبه الخاص به، فأبى أن يأخذ ذلك.