قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المشرك يسهم له.
حدثنا مسدد ويحيى بن معين قالا: حدثنا يحيى عن مالك عن الفضيل عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة، قال يحيى: (إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقاتل معه، فقال: ارجع، ثم اتفقا فقال: إنا لا نستعين بمشرك)].
أورد أبو داود باباً في المشرك يسهم له.
يعني: هل يسهم له أو لا يسهم له؟ فلا يسهم له ولا يستعان به في الحرب والجهاد في سبيل الله؛ لأنه هو نفسه بحاجة إلى جهاد وبحاجة إلى أن يدخل في الإسلام، وأولئك يُقَاتلون ليدخلوا في الإسلام، وهو ما دخل في الإسلام فلا يستعان به في جهاد الكفار وقتالهم من أجل أن يدخلوا في الإسلام، وعلى هذا فإنه ليس له نصيب؛ لأنه ليس أهلاً لأن يقاتل، وليس أهلاً لأن يعطى شيئاً؛ لأن الأصل الذي يبنى عليه تقسيم الغنيمة إنما يكون في حق من يكون من أهل الجهاد، وذلك بأن يكون مسلماً، أما إذا كان كافراً فإنه لا يستعان به في الجهاد؛ لأن الجهاد إنما هو لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وهو لا يزال في الظلمات، فهو بحاجة إلى أن يخرج من الظلمات إلى النور، فكيف يقاتل الكفار ليدخلوا في الإسلام وهو ما دخل في الإسلام؟! وهذا فيما يتعلق بالجهاد.
وأما بالنسبة للدفاع فإنه لا بأس بالاستعانة بالكفار من أجل الدفاع، فالدفاع والمحافظة على الأنفس والاستعانة بهم على رد العدوان لا بأس به، كما أن الإنسان لو كان له جار كافر ثم اعتدى عليه لصوص فإن له أن يستدعي جاره الكافر ليساعده على التخلص من اللصوص؛ لأن مثل هذا العمل لا بأس به وهو استعانة سائغة، وإنما الذي لا يجوز هو الاستعانة بهم في الجهاد في سبيل الله وقتال الكفار من أجل دخولهم في الإسلام؛ إذ إن فاقد الشيء لا يعطيه، وهو مثلهم إلا أنه قد يكون مستأمناً أو صاحب ذمة يأمن على نفسه، وأما كونه يذهب من أجل يقاتل في سبيل الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور وهو ليس من أهل ذلك فلا.
قوله: [(إن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال: ارجع؛ إنا لا نستعين بمشرك)].
يعني: أن ذلك المشرك كان صاحب ذمة أو صاحب عهد وأمان، فقال له النبي: (ارجع؛ فإنا لا نستعين بمشرك)، يعني: في هذا العمل الذي هو الجهاد في سبيل الله.