قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له.
حدثنا سعيد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري أن عنبسة بن سعيد أخبره أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله.
فقال أبو هريرة: فقلت: لا تقسم لهم يا رسول الله.
فقال أبان: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضال.
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: اجلس يا أبان.
ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)].
أورد أبو داود باباً فيمن جاء بعد الغنيمة لا سهم له.
أي أن من جاء بعد حيازة الغنيمة لا سهم له، يعني: أنه لا يعطى؛ لأن الغنيمة يعطاها من حضر المعركة وشارك، فهذا هو الذي يعطى من الغنيمة، وأما إنسان جاء بعدما انتهت الحرب وحيزت الغنائم فإنه لا يكون له نصيب فيها؛ لأنه ما شارك، وإنما الذي جاء قبل أن تنتهي الحرب وشارك قبل أن تحاز الغنيمة فإنه يكون له نصيب منها، ومن جاء بعد ذلك لا يكون له نصيب.
وأورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل سرية فيها أبان بن سعيد بن العاص قبل نجد، وأنهم جاءوا بعدما انتهى القتال في خيبر فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم من الغنيمة نصيباً.
فعندما طلب هذا قال أبو هريرة: (لا تقسم لهم يا رسول الله).
يعني: أنه ما شارك في المعركة.
فغضب وعاب أبا هريرة وتكلم فيه كلاماً فقال: أنت بها -يا وبر- تحدر علينا من رأس ضالٍّ.
قوله: [(أنت بها)].
يعني: أنت بهذه الكلمة تتصدى لهذا الأمر وتتدخل في هذا الأمر! والوبر هو دويبة وحشية في الفلاة، تشبه السنور، وهي التي جاء ذكرها على لسان مسيلمة الكذاب الذي لما جاءه عمرو بن العاص قال له: ماذا أنزل على صاحبكم؟ وكان عمرو كافراً لم يسلم بعد، وكان صديقاً لـ مسيلمة، فقال: إن أصحابه يقولون: إنه أنزل عليه {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] فقال: وأنا أنزل علي قرآن: الوبر وما أدراك ما الوبر! له أذنان وصدر، إن قريشاً قوماً يعتدون.
ماذا تقول يا عمرو؟ قال: والله إني لأعلم أنك تعلم أني مكذب لك.
فالوبر دويبة تشبه السنور أو على قدر السنور، وهي متوحشة وتكون في الفلاة والجبال.
قوله: [(من رأس ضالٍّ)] يعني: من رأس جبل.
قوله: [(فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجلس يا أبان.
ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)].
لم يقسم لهم لأنهم حضروا بعد حيازة الغنيمة وانتهاء الحرب.