قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الأسير يوثق.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد -يعني ابن سلمة - أخبرنا محمد بن زياد سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل!)].
أورد أبو داود [باب في الأسير يوثق].
يعني: يوثق بالحبال والقيود حتى لا يفر وحتى يُطمأن إلى إمساكه وعدم إفلاته، فهو يوثق، والله عز وجل قال: {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد:4].
ووأرد أبو داود حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [(عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل)] والمقصود بهم الأسارى الذين يؤسرون وهم كفار، فإن ذلك الأسر من أسباب إسلامهم ودخولهم في الإسلام، فهم يقادون إلى الجنة في السلاسل، يعني أنهم يجرون إلى شيء لا يريدونه وهو خير لهم، فيئول بهم الأمر إلى أن يسلموا ويكونوا من أهل الجنة وقد كانوا كارهين في أول الأمر؛ لأن أسرهم مكروه لهم، ولكنه يترتب على أسرهم وبقائهم وعدم قتلهم أنهم يشاهدون أحوال المسلمين وأعمال المسلمين وأحكام الإسلام، فيدخلون في الإسلام، فيكونون من أهل الجنة، ويسلمون من أن يكونوا من أهل النار الذين هم الكفار الذين لا سبيل لهم إلى الجنة، ومآلهم إلى النار، ويبقون فيها أبد الآباد ولا يخرجون منها أبداً.
هذا هو المقصود بالحديث، وفيه إثبات صفة العجب لله عز وجل، وهي ثابتة في السنة كما في هذا الحديث وغيره، وأيضاً ثابتة في القرآن على إحدى القراءتين في قول الله عز وجل: {بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ} [الصافات:12].
وقد قال المنذري: (عجب ربنا) قيل: عظم ذلك عنده.
وقيل: عظم جزاؤه.
فسمى الجزاء عجباً، وقال ابن فورك: والعجب المضاف إلى الله تعالى يرجع إلى معنى الرضا والتعظيم، وأن الله يعظم من أخبر عنه بأنه يعجب منه ويرضى عنه.
وهذا من التأويل، والأصل في الصفات أنها لا تؤول، وإنما تثبت على الوجه الذي يليق بالله بكماله وجلاله، والصفات كلها من باب واحد يؤتى بها على نهج واحد وعلى طريقة واحدة بدون تأويل وبدون تحريف وبدون تكييف وبدون تشبيه أو تعطيل أو تمثيل، بل على حد قول الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].