قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا يزيد بن أبي زياد أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدثه أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه (أنه كان في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قال: فحاص الناس حيصة فكنت فيمن حاص.
قال: فلما برزنا قلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب؟ فقلنا: ندخل المدينة فنتثبت فيها ونذهب ولا يرانا أحد.
قال: فدخلنا فقلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت لنا توبة أقمنا، وإن كان غير ذلك ذهبنا.
قال: فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر، فلما خرج قمنا إليه فقلنا: نحن الفرارون.
فأقبل إلينا فقال: لا، بل أنتم العكارون.
قال: فدنونا فقبلنا يده فقال: أنا فئة المسلمين)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان في سرية، وأنهم حاصوا حيصة، أي: مالوا ميلة وانحرفوا وانهزموا وفروا، ولما برزوا وابتعدوا عن الكفار وعن المعركة ندموا على ما حصل منهم، وقالوا: إننا تولينا من الزحف.
فرأوا أن يدخلوا المدينة خفية، ثم إنهم بدا لهم أن يعرضوا أمرهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان لهم توبة وإلا فإنهم يعودون، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر أخبروه بالذي قد حصل وقالوا: نحن الفرارون.
فقال: [(لا، بل أنتم العكارون)].
أي: العائدون الذين هم معذورون.
وقوله: [فدنونا فقبلنا يده] فيه تقبيل اليد، وتقبيل اليد جاء فيه أحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سائغ لمن يستحق أن تقبل يده، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك ديدناً، ولا يصح حين يترتب على ذلك اغترار من الذي تقبل يده أو فتنة، أو غلو من الذي يحصل منه التقبيل، وإلا فإنه في الأصل جائز وثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: [(أنا فئة المسلمين)].
وهذا إشارة إلى الاستثناء في قوله تعالى: ((إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ)) فهذا ليس ممن توعد إذا كان متحرفاً لقتال، والمتحرف للقتال هو الذي يحصل منه شيء من أجل أن يوهم العدو أنه منهزم ثم يكر عليهم، أو يطمع العدو في نفسه حتى يرجع إليهم ويقتلهم، أو ينحرف من جهة إلى جهة في المعسكر، فيذهب من جهة إلى جهة.
والتحيز إلى فئة هو أن يكون هناك جماعة أخرى تقاتل في مكان آخر في مقابل العدو فيذهب إليهم، فيكون فاعلو هذين الأمرين غير مؤاخذين وغير متوعدين بالوعيد.
وإنما المحذور هو الذي يفر لا لهذا ولا لهذا، لا متحرفاً لقتال ولا متحيزاً إلى فئة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: [(أنا فئة المسلمين)] يعني أنهم برجوعهم إلى المدينة داخلون في قوله تعالى: ((أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ)) فيكونون بذلك معذورين.
والحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف.