قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا عمرو بن يحيى عن أبي زيد عن معقل بن أبي معقل الأسدي قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط).
قال أبو داود: وأبو زيد هو مولى بني ثعلبة].
أورد أبو داود رحمه الله حديث معقل بن أبي معقل الأسدي رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط)، وقوله هنا: (نهى أن نستقبل القبلتين) القبلتان هما: الكعبة المشرفة وبيت المقدس؛ لأن بيت المقدس هو القبلة الأولى، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستقبلها قبل أن يهاجر، وبعد أن هاجر ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً ثم حول إلى الكعبة المشرفة بعد ستة عشر شهراً.
وقيل في معنى القبلتين: إن المقصود بذلك أنه لا يستقبل القبلة -أي: الكعبة- ولا يستدبرها؛ لأنه إذا استدبرها فإنه يكون بذلك مستقبلاً بيت المقدس.
وهنا يستقيم المعنى مع الأحاديث من جهة أن فيه استقبالاً للكعبة أو استدباراً لها؛ لأن الاستدبار لها يكون فيه استقبال لبيت المقدس.
وقيل: إن المقصود بذلك: أن بيت المقدس كان قبلة فيما مضى، فمن أجل ذلك قيل فيه ما قيل هنا، وأنه لا يستقبل، لكن هذا لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا: أن من كان عن بيت المقدس من جهة الشرق لا يتجه إلى الغرب، ومن كان عنه من جهة الغرب لا يتجه إلى الشرق، وأن يعامل معاملة القبلة التي هي الكعبة المشرفة.
وهذا لم يأت في غير هذا الحديث، والحديث غير صحيح، واستقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط هذا جاءت فيه أحاديث أخرى، ولكن الإشكال هو أن بيت المقدس يعامل معاملة القبلة، وهذا لم يأت إلا في هذا الحديث فلا يعول عليه؛ لأنه ليس بثابت، أما إذا كان المقصود به أنه لا يستدبر القبلة حيث يكون من جهة الشمال؛ لأنه يكون بذلك جمع بين الأمرين مستقبلاً لبيت المقدس ومستدبراً للكعبة فهذا مستقيم من جهة استدبار الكعبة، والنهي عن الاستدبار قد جاءت فيه أحاديث صحيحة.
لكن إذا عمل بالحديث فمعناه: أن من كان شرق بيت المقدس لا يستقبل جهة الغرب، ومن كان غرب بيت المقدس لا يستقبل جهة الشرق فيكون بذلك معاملاً معاملة الكعبة، وذلك لم يأت إلا في هذا الحديث، والحديث غير ثابت.