قال المصنف رحمه الله تعالى [باب في الطاعة.
حدثنا زهير بن حرب حدثنا حجاج قال: قال ابن جريج: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] في عبد الله بن قيس بن عدي (بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية) أخبرنيه يعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الطاعة.
يعني: السمع والطاعة للأمير الذي هو أمير الجيش، يعني: إذا كانوا غزاة فإنهم يسمعون ويطيعون للأمير.
والسمع والطاعة للولاة جاءت بها الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيسمع للوالي ولأمراء الوالي الذين ولاهم على الأقاليم والمدن والقرى، وكذلك في الأمراء على الجيوش فإنه يسمع للأمير والإمام الأعظم، ولنوابه وأمرائه الذين أسند إليهم المهمة في بلد أو غزوة أو سفر أو غير ذلك، ولكن في حدود المعروف، أي: في حدود ما هو طاعة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان الأمر فيه معصية لله ورسوله عليه الصلاة والسلام فلا يسمع ولا يطاع، بل تقدم طاعة الله وطاعة رسوله، وتترك طاعة الأمير التي هي معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في ذلك أحاديث.
وقد أورد أبو داود أثر ابن عباس أن هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم في سرية، وأراد أن يختبر طاعة الجند الذين معه له، فأجج ناراً وطلب منهم أن يقعوا فيها، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: نحن إنما آمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم فراراً من النار فكيف نقع في النار؟! فهذه القصة هي سبب نزول هذه الآية، ففي الأثر أن هذه الآية نزلت وجاء فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وطاعة ولاة الأمور، ولكن أعيد فيها فعل الأمر (أطيعوا) مع ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: ((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)) ولم يقل: أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم، ولم يقل: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم، فلم يأت لفظ الطاعة مكرراً في المواضع الثلاثة ولم يأت مع لفظ الجلالة فقط، وإنما كرر عند الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وحذف مع ولاة الأمور، فجاء مضافاً إلى الله ثم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يضف إلى ولاة الأمور، قالوا: والسبب في هذا أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله عز وجل، فهو لا يأمر إلا بما هو حق، وهو معصوم عليه الصلاة والسلام فلا يأمر بباطل، أما ولاة الأمور فيأمرون بحق ويأمرون بباطل؛ لأنهم غير معصومين، فلم يأت الفعل (أطيعوا) معهم كما جاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لبيان أن طاعتهم ليست طاعة مطلقة كطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، بل طاعة مقيدة في حدود ما هو طاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
يعني أن الطاعة لا تكون مطلقة في كل ما يأمرون به مطلقاً حتى ولو كان معصية، بل المعصية لا يجوز لهم أن يأمروا بها ولا يطاع لهم فيها، وإنما يطاع لهم في المعروف؛ قالوا: هذا هو السر الذي من أجله حذف فعل الأمر ولم يؤت به مع ولاة الأمور، وأعيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر من الله، قال الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].
فالسنة هي وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله، والرسول عليه الصلاة والسلام مبلغ ما يوحى به إليه، وليست السنة من عند الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هي من عند الله، والله تعالى يوحي إلى نبيه بالكتاب وبالسنة، ولهذا جاء في أحاديث عديدة ما يبين ذلك، ومنها الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يغفر للشهيد كل شيء) ثم إنه قال بعد ذلك: (إلا الدين فإنه سارني به جبريل آنفاً) يعني: استثنى الدين في كونه لا يغفر للشهيد؛ لأن الدين من حقوق الناس، وأصحاب الدين إذا لم يحصلوا حقهم في الدنيا فإنهم سيحصلونه في الآخرة عن طريق الاقتصاص بالحسنات، فيؤخذ من المدين حسنات فتعطى للدائنين.
قوله: [قال ابن جريج: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ)) في عبد الله بن قيس بن عدي].
يعني: نزلت فيه، فهو سبب نزولها، ثم أتى بالإسناد: أخبره فلان عن فلان عن ابن عباس أنه قال: نزلت في عبد الله بن قيس بن حذافة.