قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا.
حدثنا زهير بن حرب أبو خيثمة حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير الصحابة أربعة، وخير السرايا أربعمائة، وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة) قال أبو داود: والصحيح أنه مرسل].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء والسرايا.
يعني: من حيث العدد، فأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (خير الصحابة أربعة) الصحابة: الرفقاء؛ لأن الصحبة بمعنى الرفقة، فهذا هو المطابق للترجمة، فالرفقاء المقصود بهم الصحابة الذين هم أربعة أشخاص.
وذكر هنا الأربعة مع أنه قد مر في الأحاديث أن أقل الجمع في السفر ثلاثة، وأن الثلاثة ركب، وأنهم يؤمرون واحداً منهم إذا كانوا ثلاثة فأكثر، ولكن هنا ذكر أن خير الرفقاء أربعة، فمعناه: لا يقلون عن أربعة، فلو كانوا خمسة أو ستة فلا بأس بذلك، لكن كونهم ينقصون عن هذا العدد فلا يوصفون بالخيرية، ولعل ذلك أن الأربعة إذا كانوا مع بعض يمكن أن ينفرد كل واحد مع الثاني فيتحدثان، بخلاف ما لو كانوا ثلاثة، فإنه إذا تناجى اثنان دون الثالث فإنه يؤلمه ويحصل له تأثر، وأما إذا كانوا أربعة فلا يوجد إشكال، لكن إذا كانوا ثلاثة فلابد أن يتحدثوا كلهم مع بعض، ولا يتناجى اثنان دون الثالث فإنه قد جاء ما يدل على منعه؛ لأن ذلك يؤلمه ويغضبه.
ثم أيضاً لو أرادوا أن يقتسموا المهمة بحيث يتعاونون مع بعض، وكل يوكل له مهمة فيكون اثنان مع بعض واثنان مع بعض، بخلاف الثلاثة فإنه لا تكون القسمة متساوية.
قوله: [(وخير السرايا أربعمائة)].
يعني: يكون عددهم أربعمائة، لا يقلون عن ذلك، مع أن السرية يمكن أن تكون أقل من أربعمائة، ولكن لا تكون خيرة حتى يكون عددها أربعمائة، ولا أدري ما وجه اختيار هذا العدد؟! وقيل: لعل ذلك أن أهل بدر كانوا فوق الثلاثمائة، فيكون الكسر مجبوراً على اعتبار أن هذا العدد خرج فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم فوق الثلاثمائة، ولكنهم ما بلغوا الأربعمائة فيكون هناك جبر للكسر.
على كل: الله تعالى أعلم بوجه اختيار هذا العدد، وكونه خير السرايا.
والسرية: هي القطعة التي تقتطع من الجيش وترسل في مهمة، ثم تعود إلى الجيش، والجيش عدده كبير فالإمام أو الأمير يختار سرية يسند إليها مهمة تذهب بها، ثم ترجع إلى الجيش الذي هو أصلها.
قال: [(وخير الجيوش أربعة آلاف)].
قوله: (ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلة) يعني: كون الغلبة سببها القلة، ولكن قد تكون الغلبة في غير القلة بأن يكون هناك عجب وأمور أخرى يحصل بها الانهزام أو عدم الغلبة، فليس المقصود أنه لا تحصل الصفات الذميمة والأشياء التي قد تكون سبباً في الهزيمة، وإنما المسألة هي مسألة قلة فقط، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لن يغلب اثنا عشر ألف من قلة).