قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يسافر وحده.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب في الرجل يسافر وحده.
يعني: أن ذلك مذموم، وأنه ورد فيه ما يدل على منعه وكراهته، وذلك لأن الواحد إذا سافر وحده قد تحصل له أمور كمرض أو هلاك فلا يكون معه من يغسله، ولا يكون معه من يحفظ متاعه، ومن يواسيه ويكلفه بحمل وصية، أو بإخباره بشيء يحتاج للإخبار؛ لأنه سافر وحده وليس معه أحد يمكن أن يقوم بهذه المهمة.
وكذلك قد أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراكب شيطان والراكبان شيطان والثلاثة ركب).
(الراكب شيطان) يعني: أن فعله هذا مذموم، وأنه متصف بصفة الشياطين، وكذلك الراكبان لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والثلاثة ركب) معناه أن هذا أقل عدد يكون فيه السفر، وهذا فيه تنبيه على أن سفر الإنسان وحده أو سفر اثنين فقط مذموم، ولكن هذا يختلف باختلاف الأحوال، فقد يكون الإنسان مضطراً إلى سفر ولا يجد من يصحبه ولا يستطيع البقاء، ولكن كون الإنسان يحرص دائماً وأبداً على أن يكون معه رفقة حتى وإن كان في طرق سالكة، ففي هذا الزمان الطرق السالكة الآن فأصبحت لا يخشى المحذور الذي يتوقع فيما إذا كان الإنسان يسافر وحده، فيكون في فلاة فقد يتيه، وقد يحصل له ما يحصل، فالآن هذه السكك وهذه الطرق التي تمشي فيها السيارات ولا تخرج عنها في السير إذا حصل للإنسان شيء فإنه يوجد من يقوم بشئونه وما يحتاج إليه، ولكن مع هذا كله الأخذ بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث تمكن الإنسان من ذلك هو الذي ينبغي.
ثم إن الحديث يدل على أن أقل عدد معتبر شرعاً في السفر هو ثلاثة فأكثر، وهذا كما جاء في هذا الحديث، وإلا فإن الجمع يكون باثنين في الجماعة، ففي الصلاة الوارد اثنان أقل الجماعة إمام ومأموم يعني: ليس لازماً أن يكونوا ثلاثة، فالصلاة جماعة تحسب باثنين، وكذلك في الفرائض الجمع يكون باثنين، فأقل الإخوة اثنان وليس ثلاثة؛ لأن حصول العدد اثنين يكون معتبراً ويكون جمعاً، وفي النحو أقل الجمع ثلاثة؛ لأنه يوجد مفرد ومثنى وجمع، وفي السفر كما جاء في هذا الحديث أقل الجمع المعتبر الذي جاءت به السنة ثلاثة.
قوله: [(الراكب شيطان)].
يعني: فيه صفة الشيطان الذي لا يتقيد بدين، ولا يتقيد بشيء يلتزمه.