شرح حديث (أن رسول الله كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً…)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أن علياً الأزدي أخبره أن ابن عمر رضي الله عنهما علمه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً، ثم قال: ((سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:13 - 14] اللهم إني أسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا، اللهم اطو لنا البعد، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل والمال، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا، وإذا هبطوا سبحوا، فوضعت الصلاة على ذلك)].

أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه دعاء السفر، أنه كان إذا ركب على دابته يكبر ثلاثاً يقول: الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر، {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} [الزخرف:13 - 14].

((سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا)) أي: المركوب {وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ}، وهذا نص الآية التي في القرآن، يقول تعالى: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف:13]، فجاء هذا الثناء على الله عز وجل بهذه الإشارة التي تصلح لكل مركوب، يعني: سواء يكون في البر أو البحر أو الجو كل ذلك يقال فيه: ((سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا)).

وجاء فيه بالإشارة دون أن يحدد الشيء الذي يركب ويبين عينه ونوعه، فصار الدعاء صالحاً لكل مركوب، بحيث الإنسان إذا ركب سيارة، أو ركب طيارة، أو ركب بعيراً، أو ركب حماراً، أو ركب حصاناً، أو ركب سفينة، كل ذلك يأتي بهذه الصيغة: ((سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)) يعني: ثناء على الله عز وجل، وتقديس له لأنه الذي سخر للناس هذا المركوب الذي يركبونه.

أما الدواب والبهائم فقد ذللها الله فصارت مسخرة، ولو عتت لما استفاد الناس منها مع كبر حجمها وقوتها.

قال تعالى: ((سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)) يعني: ما كنا له مطيقين لولا تسخير الله عز وجل وتسهيله وتيسيره، ولو نفرت أو صالت لما استفاد الناس منها، بل يتضررون منها، ولكن بتسخير الله عز وجل وتسهليه وتيسيره حصلت الاستفادة منها على الوجه الأكمل، وكان الناس يقطعون بها الفيافي، ويبلغون فيها أماكن لا يبلغونها إلا بشق الأنفس.

قوله: [(اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى)].

البر والتقوى: كلمتان إذا جمع بينهما في الذكر فرق بينهما في المعنى، وإذا انفردت إحداهما عن الأخرى شملت المعنى الذي تفرق عند الاجتماع، فالبر عند إطلاقه يشمل كل الأوامر والنواهي، والتقوى إذا انفردت تشمل كل الأوامر والنواهي، ولكن إذا جمع بينهما فسر البر بامتثال الأوامر، وفسرت التقوى باجتناب النواهي، فهما من جنس الفقير والمسكين، والإسلام والإيمان، فهذه ألفاظ إذا جمع بينها في الذكر وزع المعنى عليها، وإذا فرق بينها في الذكر بأن جاء أحدها ليس معه الآخر فإنه يستوعب المعاني التي وزعت عند الاجتماع.

قوله: [(اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى)].

يعني: وفقنا فيه للأعمال الصالحة التي ترضاها لنا وتقبلها منا.

قوله: [(اللهم هون علينا سفرنا هذا)].

يعني: اجعله هيناً سهلاً لا يصيبنا فيه نصب ولا تعب، ولا مشقة.

قوله: [(اللهم اطو لنا البعد)].

يعني: المسافة الطويلة اجعلنا نقطعها بسهولة ويسر، بدون أن نشعر بعناء ومشقة.

وقد مر بنا الحديث: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى)، معناه أن السير في الليل فيه نشاط وقوة، ولا يوجد عناء ومشقة مثلما يكون في النهار من الحر وشدة الشمس، فيكون هناك نشاط، فيقطع الناس المسافة وهم مرتاحون لم يشعروا بنصب ومشقة، أما إذا كانوا في مشقة فإنهم يجدون أنهم يمشون والأرض أمامهم طويلة ما حصل لهم ارتياح في السير.

قوله: [(اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل والمال)].

هذا مر ذكره في الحديث السابق.

قوله: [(وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن:)].

أي: أن المكان الذي انتهى إليه وقصده انتهى شغله فيه وأراد أن يرجع إلى أهله، فإنه يقول هذا الدعاء، ويزيد: (آيبون) من الإياب والرجوع (تائبون عابدون لربنا حامدون) وهذا في حال الرجوع والانصراف من السفر، فيأتي بالدعاء المتقدم الذي يكون عند ابتداء السفر، ويضيف إليه هذا الذكر الذي هو (آيبون إلى آخره).

قوله: [(وكان النبي صلى الله عليه وسلم وجيوشه إذا علوا الثنايا كبروا)].

يعني: عند الصعود يكبرون، وعند النزول يسبحون تعظيماً لله عز وجل، والثناء عليه بالمحامد التي هو أهل لها، والتسبيح: هو تنزيه وتقديس لله عز وجل عن كل ما لا يليق به سبحانه وتعالى.

(فوضعت الصلاة على ذلك) يعني: فيها تكبير وتسبيح.

والتكبير في العلو، والتسبيح في الهبوط خاص بالسفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015