قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب ما يقول الرجل إذا سافر.
حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا محمد بن عجلان قال: حدثني سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر قال: اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال، اللهم اطو لنا الأرض، وهون علينا السفر)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي: باب ما يقول الرجل إذا سافر.
أي: الدعاء الذي يدعو به المسافر عند سفره، وقد أورد أبو داود رحمه الله في كتاب الجهاد جملة من الأحاديث تتعلق بآداب السفر، وذلك لأن الجهاد يكون غالباً عن طريق السفر، لأنهم يخرجون من بلادهم يقاتلون في سبيل الله، وليسوا باقين في بيوتهم إن جاءهم العدو دفعوه، بل يعقدون الألوية ويذهبون للجهاد في سبيل الله ودعوة الناس إلى أن يدخلوا في دين الله، ويغزون الكفار في بلادهم.
فالجهاد يحصل عن طريق السفر، كما أن السفر يكون في غيره، ولكنه من أجل أن الجهاد يكون فيه السفر أورد هذه الآداب في كتاب الجهاد؛ لأن سفر الجهاد أفضل الأسفار، وهو خير الأسفار؛ لأنه سفر لإعلاء كلمة الله، وانتصار المسلمين على غيرهم من الكفار، فمن أجل هذا أورد أبو داود رحمه الله جملة من آداب السفر -سواء للجهاد أو غير الجهاد- في كتاب الجهاد.
ثم أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر قال: (اللهم أنت الصاحب في السفر) يعني: الصاحب الذي يكون معهم فيحفظهم ويكلؤهم ويرعاهم، ويحوطهم بحفظه ورعايته سبحانه وتعالى، (والخليفة في الأهل) يعني: يكون معه في سفره يرعاه ويحفظه ويخلفه في أهله في حفظهم ورعايتهم، وتحصيل ما يفيدهم، وتحقيق ما يريدون، فهو سبحانه وتعالى المصاحب للمسافر في سفره، وهو الخليفة له في أهله، يعني: فهو يسأل الله عز وجل أن يكون معه في سفره بالتوفيق والتسديد، والحفظ والرعاية، وأن يكون لأهله حافظاً وراعياً وموفقاً ومسدداً، فيسأل له ولغيره في سفره، ولمن وراءه من أهله.
قوله: [(اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر)].
وعثاء السفر: شدته وتعبه، وما يحصل فيه من المصائب والبلاء والمشقة والعناء.
قوله: [(وكآبة المنقلب)].
بأن ينقلب من سفره وقد حصل له بلاء أو مصائب أو أضرار أو كونه أراد المهمة التي سافر من أجلها فلم يحصل على ما يريد فرجع بدون طائل.
وكذلك أيضاً فيما يتعلق بأهله أن يرجع إليهم وقد حصل لهم بلاء أو أضرار، أو فقد أحداً منهم، فيكون كئيباً حزيناً مكتئباً للأمر الذي حصل له، أو الأمر الذي حصل لأهله، فإذا رجع يرجع وقد أصيب بشيء من هذه المصائب، أو لما فاته من الخير الذي أراده.
قوله: [(وسوء المنظر في الأهل والمال)].
يعني: كونه تكون مصائب في الأهل ومصائب في المال، فيكون المنظر سيئاً بأن يحصل للمال احتراق أو أي مصيبة تصيبه وتحصل له، بحيث يرجع صاحبه فيراه على وجه يسوءه، وكذلك أيضاً بالنسبة لأهله كونه يرى فيهم شيئاً يسوءه سواء في أخلاقهم أو خلقهم.
قوله: [(اللهم اطو لنا الأرض وهون علينا السفر)].
يعني: كون الأرض تطوى لهم بمعنى أنهم يقطعونها بسهولة ويسر، وكذلك يهون عليهم السفر فيكون سهلاً ليس فيه عناء ولا نصب، ولا يصيبهم بلاء ولا تعب.