قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وإن عبد الله كان ممن سابق بها)].
أورد أبو داود حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة، والخيل الغير المضمرة، وجعل لكل واحدة أمداً، فالخيل المضمرة جعل لها أمداً مقداره ستة أميال كما جاء في صحيح مسلم: (بين الحفياء وبين ثنية الوداع) والغير المضمرة: من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق، والمسافة بينهما ميل كما جاء في صحيح مسلم، فالمضمرة أمدها بعيد لقوتها ونشاطها، وغير المضمرة جعل لها الأمد قصيراً.
والمضمرة: هي التي تعلف ويكثر لها العلف حتى تسمن، ثم بعد ذلك تجعل في بيت أو في مكان فيه حرارة، فتجلل في جلال فيصيبها عرق، وتعطى قوتاً على قدر حالها ولا يكثر لها، فعند ذلك يكون لها قوة ونشاط بسبب ذلك، فأولاً حصلت سمناً وأكلاً كثيراً ثم أخمدت، وهو كونها تعلف علفاً على قدر ما يكفيها دون أن يكون فيه الزيادة كما كان من قبل، وتكون في مكان آمن فيه حرارة لأجل أن تعرق فيخف وزنها ويذهب سمنها، فيكون عندها قوة، ويصير عندها نشاط بهذه الطريقة، وبهذه العملية التي كانوا يتخذونها في تضمير الخيل، فالرسول صلى الله عليه وسلم سابق بينها، أي أنه جعل أناساً يتسابقون من كذا إلى كذا، وجعل الخيل المضمرة من الحفياء إلى ثنية الوداع، ومقدارها ستة أميال، والخيل الغير المضمرة من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ومقداره ميل واحد.
وثنية الوداع يقال: إنها هي التي في أول (طريق سلطانة) عند مفترق الطريق الذي يذهب إلى (سيد الشهداء)، يقال: إنها هناك، والحفياء ومسجد بني زريق لا أعرف شيئاً عن أماكنهما، لكنهما خارج المدينة، ومعناه أنهم يأتون من خارج المدينة إلى الثنية، من مكان بعيد إلى مكان قريب، كأن الأمد والغاية التي ينتهون إليها بالنسبة للخيل المضمرة أنه من مكان بعيد إلى مكان قريب، وأما من الثنية إلى مسجد بني زريق فلا أدري في أي مكان هو، المهم أنه جاء بيان أن هذه المسافة ميل وهذه المسافة ستة أميال، فهذه مسافة طويلة، وهذه مسافة قصيرة.