قال رحمه الله تعالى: [باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا أسد بن موسى حدثنا معاوية بن صالح حدثني ضمرة أن ابن زغب الإيادي حدثه قال: نزل علي عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه فقال لي: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئاً، وعرف الجهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم، ولا تكلهم إلى أنفسهم فيعجزوا عنها، ولا تكلهم إلى الناس فيستأثروا عليهم، ثم وضع يده على رأسي أو قال: على هامتي، ثم قال: يا ابن حوالة! إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام والساعة، والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك).
قال أبو داود: عبد الله بن حوالة حمصي].
سبق أن مر بنا أن الإنسان إذا كان قصده الدنيا فإنه لا يحصل أجراً، وقد مرت بعض الأحاديث في ذلك، ومنها حديث الرجل الذي قال: (لا أجد له في الدنيا والآخرة إلا هذه الدنانير التي سمى)، وكذلك الرجل الذي قال فيه: (هو أجير حتى آخر قطرة من دمه)، وأما إذا خرج الإنسان للجهاد في سبيل الله وأراد إعلاء كلمة الله، وحصل على غنيمة، فإن هذا لا بأس به، وإنما المحذور قصد الدنيا بالجهاد، أما إذا أراد الإنسان خير الدنيا والآخرة، فقد قال الله تعالى عن المؤمنين الذين أثنى عليهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].
قوله: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لنغنم على أقدامنا، فرجعنا فلم نغنم شيئاً).
أي: بعثنا غزاة لنحصل أجراً وغنيمة فلم نحصل شيئاً.
قوله: (اللهم لا تكلهم إلي فأضعف عنهم).
أي: عن إيصال الأشياء التي يحتاجون إليها، فهو يسأل الله عز وجل أن يرزقهم من فضله، قال: (فأضعف عنهم) لأنه صلى الله عليه وسلم كان يأتي إليه أصحاب الأعذار يلتمسون منه أن يحملهم، فيقول: لا أجد ما أحملكم عليه، فيتولون وأعينهم تفيض من الدمع.
قوله: (ولا تكلهم إلى الناس) لأن الناس يريدون الحظوظ لأنفسهم، ويستأثرون بالمال عليهم فلا يحصلون ما يريدون.
قوله: (ثم وضع يده على رأسي، أو قال: على هامتي).
هما بمعنى واحد، فالهامة هي أعلى الرأس.
قوله: (ثم قال: يا ابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت أرض المقدسة فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام).
الأرض المقدسة هي أرض الشام.
قوله: (والساعة يومئذ أقرب من الناس من يدي هذه من رأسك).
فيه إشارة إلى أنها قريبة جداً، وفيه إشارة إلى الخلافة في زمن بني أمية، وقد حصل ما حصل من الفتن، وحصل ما حصل من الخير العظيم، فقد حصلت فتن وقلاقل، وحصلت أيضاً فتوحات عظيمة، حيث وصلوا إلى المحيط الأطلسي ووصلوا إلى بلاد الصين، وإلى السند والهند، واجتمعت الكلمة على معاوية رضي الله عنه وأرضاه، وحصل خير كثير بالنسبة لفتح البلاد وغزو الكفار في ديارهم، حيث كانوا يرسلون الجيوش شرقاً وغرباً.