نتكلم في هذه الليلة بمناسبة ليلة الإسراء والمعراج التي يظن بعض الناس أن لها ميزة، وأقول: إن ليلة الإسراء والمعراج لم يثبت أنها في ليلة معينة لا في ليلة سبع وعشرين ولا غيرها، ولو ثبت ذلك لم يكن ثبوتها مقتضياً أن تخص باحتفال أو بعمل خاص؛ لأن تخصيص الليالي والأيام بأعمال خاصة إنما يجب أن يسار فيه طبقاً لما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي عليه الصلاة والسلام ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فكيف ولم يثبت أنها في ليلة معينة معروفة عند العلماء؟! وعلى هذا فإن على المسلم أن يحرص على معرفة الأدلة ومعرفة الأحكام الشرعية، ويسأل عن الشيء قبل أن يعمله، فإن وجد أنه قد ثبت وأخبره بذلك من عنده علم بالسنة وحرص على معرفتها، فإنه يأخذ بما يفتيه به، أما إذا لم يكن هناك شيء من ذلك، فإن على الإنسان أن يقتصر على ما جاءت به الأدلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحذر من البدع ومحدثات الأمور.
وقد كتب شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه رسالة قيمة اسمها: التحذير من البدع، وهي تشتمل على أمور أربعة: تشتمل على بيان الاحتفال بالمولد النبوي وأنه لم يثبت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وكذلك بليلة النصف من شعبان، وكذلك الرؤيا التي تنسب إلى أحمد خادم الحجرة، وقد بين بطلان هذه البدع، وأنه لا يجوز للإنسان أن يعرج عليها أو أن يعمل بها أو أن يأخذ بها، وإنما عليه أن يكون متبعاً للسنن، والنبي الكريم عليه الصلاة والسلام قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وهو حديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي لفظ لـ مسلم (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، وعلى هذا فإن الواجب على المسلم أن يكون عمله مطابقاً للسنة؛ لأن الإنسان إذا كان عمله مطابقاً للسنة يحصل الأجر، أما إذا كان عمله غير مطابق للسنة بل كان مبنياً على بدعة فإنه لا يحصل أجراً بل يحصل إثماً.
ومعلوم أن دين الإسلام مبني على قاعدتين اثنتين لا بد منهما: إحداهما: ألا يعبد إلا الله، والثانية: ألا يعبد الله إلا طبقاً لما شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعمل إذا كان خالصاً لله وكان موافقاً لسنة رسول الله أجر صاحبه وأثيب، وإن تخلف أحد الأمرين فإنه يكون مردوداً على صاحبه، فلو عمل الإنسان العمل موافقاً للسنة ولكنه غير خالص لله، بل أشرك مع الله غيره؛ فإنه يكون مردوداً عليه، ولو كان العمل خالصاً لله ولكنه غير موافق لسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ رد على صاحبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) يعني مردوداً عليه؛ لأن الشريعة قد كملت وليس فيها نقص، ولا تحتاج إلى تكميل، ولا تحتاج إلى إضافات، ولا تحتاج إلى بدع ومحدثات، وقد قال الإمام مالك رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال: من قال: إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون ديناً اليوم، أي: ما لم يكن ديناً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يكون ديناً بعد ذلك، بل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هو الحق والهدى، وما أحدث بعدهم فإنه من محدثات الأمور.
فالواجب هو الابتعاد عن البدع، والابتعاد عن محدثات الأمور، بل يحرص الإنسان على أن تكون أعماله مطابقة للسنة، وأن يكون حذراً من البدع، والله تعالى أعلم.