قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في فضل الشهادة.
حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهبٍ معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياءٌ في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب؟ فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم.
قال: فأنزل الله: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [آل عمران:169] إلى آخر الآية)].
أورد أبو داود فضل الشهادة، أي القتل في سبيل الله عز وجل، والله عز وجل أخبر عن الشهداء بأنهم {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [آل عمران:169 - 170]، فأورد أبو داود حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لما أصيب إخوانكم يوم أحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر) الحديث.
قوله: (فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169])، فهذه الآية الكريمة فيها بيان حال المقتولين في سبيل الله، وأن أرواحهم في جوف طير خضر، وأرواح الشهداء تنعم منفردة وتنعم أيضاً متصلة بالأجساد، وكذلك أيضاً من يكون منعماً أو معذباً في القبر فإن العذاب يكون للروح والجسد والنعيم يكون للروح والجسد، وليس العذاب أو النعيم للروح وحدها، وإنما يكون لمجموع الأمرين والله على كل شيء قدير؛ فتكون الأرواح في الجنة ولها اتصال بالأجساد، وتنعم متصلة ومنفصلة، وذلك أن الإحسان حصل من مجموع الأرواح والأجساد، والإساءة حصلت من مجموع الأرواح والأجساد، وقد جاء في الحديث: (المسلم يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، والفاجر يفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ولا يزال كل منهما فيما هو فيه إلى أن تقوم الساعة).
وقد جاء في الحديث أن نسمة المؤمن على صورة طير في الجنة، وأرواح الشهداء في أجواف طير، وحديث: (نسمة المؤمن على صورة طير) رواه الإمام أحمد عن الإمام الشافعي، والإمام الشافعي رواه عن الإمام مالك، فهو مسلسل بثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة، وهو في المسند، فقد ذكره الحافظ ابن كثير عند تفسير هذه الآية {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169]، وذكر أن هذا إسناد عزيز مسلسل بثلاثة من الأئمة أصحاب المذاهب المشهورة.
قوله: (قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش).
أي: تحت العرش.
قوله: (فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم).
المقيل هو الاستراحة في وسط النهار، قال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24].
قوله: (ولا ينكلوا عند الحرب).
أي: حتى لا يهتمون للقاء الأعداء خشية الموت.